باتت سلالم المبنى الفندقي الضخم لنقابة الصحفيين المصريين الذي يقع في وسط العاصمة القاهرة مقرا دائما أو "هايد بارك" لمظاهرات من يمكن تسميتهم "المخنوقين" من كافة شرائح المجتمع المصري من مهنيين وعمال وصحفيين وسياسيين وأنصار الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية".
ولعل أكثر ما ساهم في ذلك تضييق قوات الأمن على مظاهرات القوى السياسية المختلفة في الميادين العامة وأمام البرلمان والمساجد الكبرى. وأصبحت القوى السياسية والحزبية والنقابية المختلفة تفضل "درج" النقابة الرخامية غالية الثمن والقيمة للوقوف عليها لرفع لافتات الاحتجاج وإطلاق الشعارات، فهي تقع في تقاطع "عبد الخالق ثروت" الذي يطلقون عليه مثلث الرعب .
وهو طريق حيوي جدا ليس للسيارات وحدها وإنما لكونه يضم تجمعا لنقابة المحامين والصحافيين إضافة إلى نادي القضاة ، وهو تجمع يندر أن يأتلف دون إثارة القلاقل ودون ارتفاع صوت الاحتجاجات الشعبية والوطنية.
وقد أصبح هذا المربع أشبه بساحة حرة لإبداء الرأي وإن كان معارضا ، فهنا فقط يمكنك أن تقول رأيك ثم تمضي إلى حال سبيلك دون الوقوع في قبضة الأمن حيث أثبتت الأحداث صعوبة تدخل الأمن فيه لفض المظاهرات بالقوة خشية إثارة أزمة بين النقابة والحكومة.
ومنذ تدشين القوى السياسية المصرية المختلفة لسياسة التظاهر شبه اليومية للمطالبة بالإصلاح السياسي، وسلالم مبنى النقابة الجديدة، التي افتتحت في يوليو 2002 بتكلفة عشرة ملايين جنيه، وشيدته القوات المسلحة، تشهد مظاهرات شبه يومية، بجوار مظاهرات الصحفيين المحتجة على اعتقال صحفي أو مشكلات صحفيين في إحدى الجرائد أو حتى ضحايا الخصخصة أو من تعرضوا للظلم على أيدي المسئولين ولم يجدوا من يسمع شكواهم ، بحيث بات منظرا مألوفا وقوف المحتجين على سلام النقابة بلافتاتهم أو ميكروفونات الهتافات، وأمامهم قوات الأمن ومكافحة الشغب بالمئات.
وعلى الرصيف المقابل تقف قيادات الأمن لتتابع المظاهرات أو تقوم بتصويرها بالفيديو. فعندما منعت قوات الأمن حركة "كفاية" من التظاهر أمام البرلمان أو دار القضاء العالي القريب من مبنى النقابة، لجأوا إلى نقابة الصحفيين باعتبارها منبر رأي.
كما لم يجد نشطاء "عمال من أجل التغيير" مكانا أفضل من نقابة الصحفيين بعدما منعت قوات الأمن تظاهرهم أمام دار القضاء العالي، وأصبح تواجد عدة سيارات لقوات الأمن أمام النقابة أو بالقرب منها أمرا معتادا. وعندما اعتقلت قوات الأمن قرابة 2000 من الإخوان ، قرر صحفيون ونشطاء من حركة (كفاية)، ولجنتي (الحريات) و(الدفاع عن سجناء الرأي) في نقابة الصحفيين الدعوة إلى اعتصام مفتوح أمام نقابة الصحفيين؛ تضامنا مع المعتقلين من الإخوان المسلمين.
وفي مارس / آذار 2003 لم يجد مرشد الإخوان مكانا لعقد مؤتمر صحفي يعرض فيه مبادرته للإصلاح في مصر سوي استئجار إحدى قاعات مبنى النقابة. ونظمت الحركة المصرية للتغيير "كفاية" اعتصاما مدة أربع ساعات أمام نقابة الصحفيين في القاهرة.
ومن المعروف أن تاريخ الصحافة ونقابة الصحفيين ارتبط بالحريات بشكل وثيق، خاصة أنّ مهنة الصحافة تطوَّرت أساسا في مصر مع فترات الازدهار الوطني ومحاربة القوى الاستعمارية في عهد محمد علي باشا ومن بعده، وكذلك في عهد الاحتلال الإنجليزي والدعوات للاستقلال والحرية للشعب المصري.
ولعل هذا ما يفسر ارتباط تطور النقابة بقضية الحريات، وارتبط تاريخها بالنضال من أجل الحريات، وخاصة الصحفية منها، ودخلت النقابة بسبب ذلك مراحل من الصدام مع الحكومات المختلفة دفاعًا عن حرية الصحافة والصحف والصحفيين، خصوصا في أعقاب ثورة 23 يوليو 1952 التي شهدت نوعا من تقييد حرية الصحافة وإغلاق عشرات الصحف المستقلة بدعوى أنها صحف أحزاب ما قبل الثورة الملغاة في العهد الجديد.
وقد نشأت نقابة الصحفيين في 31 مارس 1941، وكان عدد الأعضاء الذين حضروا اجتماعها الأول 110 أعضاء من بين 120 عضوا هم إجمالي أعضاء النقابة في ذلك الوقت، بيد أن العدد الحالي لأعضاء النقابة يربو على سبعة آلاف صحفي، منهم حوالي خمسة آلاف من العاملين، وأما العدد المتبقي من الأعضاء فهو من الصحفيين المتقاعدين.
ولم يَكُن للنقابة حتى نهاية العام 1941 مقرّاً يجتمع فيه أعضاؤها، فكانت تعقد اجتماعاتها في دُور الصحف، مثل "الأهرام" و"البلاغ" و"المصري"، ولكنها افتتحت في 11 فبراير 1944 أول مقرٍّ رسمي لها بالقاهرة، ثم انتقلت في 31 مارس 1949 إلى مبناها الحالي بشارع عبد الخالق ثروت وسط القاهرة، الذي هُدم وأعيد بناؤه على أحدث مستوى، وجرى افتتاحه في يوليو / تموز 2002 في عهد النقيب السابق إبراهيم نافع ليصبح منذ ذلك الحين قبلة المتظاهرين وأصحاب المطالب من الحكومة.
وهناك كثيرين ممن يدلون بآراء سلبية في هذا المضمار حيث يعتبرونه نوعا من الاستغلال والتوظيف السياسي ضد النقابة لإعطاء انطباع للصحفيين بأن النقابة تحولت من دورها الطبيعي لدور سياسي لمجرد أنها جاذبة للمعبرين عن غضبهم.
لكن يبقى التفسير الغالب هو أن النقابة هي ساحة الرأي، والعمل السياسي جزء من طبيعتها ولكن مع ضرورة التفرقة بين العمل السياسى والعمل الحزبي، فالنقابة ايضا هى نقابة الحريات وحرية التعبير جزء من هذه الحريات التى تدافع عنها.
فربط النقابة بالتعبير عن الرأى ظاهرة ليست جديدة الى جانب أسباب أخرى أدت للظاهرة ، فعادة ما ينظر المواطن المصري للصحافة بشكل عام وللنقابة بشكل خاص على اعتبارها منفذا حرا وتستطيع أن توصل رأيه الى من يريد، وعندما يجد المواطن أن كل أبواب التعبير أمامه مغلقة ولا يستطيع أن يصل بشكواه الى الحكومة فإنه يتوجه الى المكان الذى يرى فيه انه بإمكانه نقل رأيه الى من يهمه الأمر.