أمست شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) محلا يستطيع فيه شباب العالم العربي الخوض في نقاشات والحصول على المعلومات حول عدد من المواضيع المحظورة، كالجنس والفقر والقضايا المتعلقة بحقوق الإنسان. وفي هذا السياق، تقدم المدونة البحرينية، إسراء الشافعي، منظورها عن هذا التيّار الجديد.
تزداد بإضطراد فرص الوصول إلى شبكة الإنترت في العالم العربي، ويبدو الأمر كما لو أن الفجوة الرقمية الموجودة قد بدأت تتلاشى ببطء ولكن بشكل لا ريب فيه. آلاف من الناس في المنطقة يعتمدون على مقاهي الإنترنت الرخيصة للمشاركة في أنشطة عبر الشبكة الدولية للمعلومات مثل التدوين الإلكتروني ومنتديات النقاش المحلية وتبادل أشرطة الفيديو. ولم تعد مثل هذه الأمور مقصورة فقط على أناس لهم مهارات تقنية عالية أو على أولئك الأشخاص الذين يتمكنون من شراء جهاز كمبيوتر ودفع ثمن خدمة الإتصال بالإنترنت.
يقول طاهر، وهو طالب من البحرين في السابعة عشرة من العمر: "تعرفت على ميّزات الإنترنت من أصدقائي عموما، واستعملته في المدرسة للألعاب والتسلية فقط، ولكنني تعلمت الآن كيف أستخدمه بطريقة أخرى. فأنا أطّلع على ما يفكر فيه مئات من البحرينيين حول مسائل مختلفة كثيرة، وعلى وجه الخصوص حول هوايتين من هواياتي المحببة: السياسة والسيارات".
ويشارك طاهر في مجموعات محلية للنقاش ويزور مواقع لأشرطة الفيديو مثل "يوتوبي" لأنها، كما يقول "تريني جانبا من العالم لم يكن في وسعي غير أن أحلم برؤيته في الواقع". ويستطرد طاهر، الذي لم يسافر خارج بلده أبدا، ليقول "لا يتمكن والداي ماديا من توفير كثير من الفرص لي ولإخواني وأخواتي، وقد طلبت منهما مرارا أن يشتريا لي كمبيوتر، فهو ليس غاليا جدا في هذه الأيام، ولكنهما يفضّلان إدخار النقود للصرف على دراستي الجامعية".
بالنسبة لكثير من الناس، مثل طاهر، يمثّل الإنترنت كشفا لحجاب الرؤية، فقد لا يكون طاهر قادرا على السفر ولكنه في الوقت الحاضر على الأقل "لديه إنترنت"، كما يقول؛ معادله الذهني للسفر في أرجاء العالم.
بفضل القدرة على الوصول إلى الإنترنت، تضحى كمية هائلة ومتنوعة من المضامين متاحة من كلّ زوايا المنطقة والعالم، وغدت الناس تستعمل الشبكة قبل كلّ شيء آخر للتشارك والتفاعل بعضا مع بعض، بدلا من الإستهلاك فحسب. وتكمن أحد أكبر المزايا التي يملكها الإنترنت، مقارنة بغيره من الوسائل الإعلامية، في أنه فوري وخال من الرقابة، في العموم. فقد يقع حادث مثلا وبعد أقل من ساعة يكون هناك شريط فيديو عنه يمكن للعالم أجمع أن يشاهده. إن قوة هذه التكنولوجيا التشاركية الفورية تتحدد بالفرق الذي يمكنها أن تصنعه على نطاق محلي، فأشرطة الفيديو التي تصوّر تجمعات حاشدة وتعرض وحشية رجال الشرطة والفقر وإنتهاكات حقوق الإنسان تستطيع السفر عبر المدونات وقوائم البريد الإلكتروني ومواقع الشبكات الإجتماعية، وأحيانا ينتهي بها المطاف حتى إلى نيل تغطية إخبارية في شبكات عربية قومية مثل قناة "الجزيرة" الفضائية.
هناك العديد من الأمور المحظورة والمحرّمة في العالم العربي التي قلّما تطرح على بساط النقاش، من بينها مسألة المثليّة الجنسية، غير أن هناك عدة مدونات إلكترونية ومنتديات مخصّصة لموضوع المثليّة الجنسية والعمل من أجل حقوق المثليين جنسيا داخل العالم العربي والإسلامي. ويمنح الإنترنت صوتا بارزا وضروريا لهذه الجماعات في المنطقة، ذلك أنها تبدو عرضة للتحاشي أو "للتهميش" من طرف مجتمعاتنا.
موضوع محرّم آخر هو الجنس، الذي يتضمن الحاجة إلى الثقافة الجنسية في المنطقة، لاسيّما من أجل أهداف صحيّة. وهناك في الوقت الحالي طلبة يدرسون الصحافة يطرقون هذا الموضوع المحرّم ويستعملون المدونات وموقع "يوتوبي" لهذا الغرض.، فمدونة "طلبة الإمارات" العربية المتحدة مثلا بثت فيلم فيديو يناقش التربية الجنسية في العالم العربي-الإسلامي: (http://www.youtube.com/watch?v=Q9mmsT29OLc). كما أن "BarakatTV" يملك قناة في موقع "يوتوبي" (http://www.youtube.com/user/barakattv) تحتوي على أشرطة فيديو تغطي مواضيع مثل متلازمة نقص المناعة المكتسبة (الأيدز) وتعاطي المخدرات في المجتمعات العربية. وتستهدف هذه الأشرطة مسائل هامة وتظهر مدى الضرر الذي نلحقه بأنفسنا بعدم الحديث علانية عنها.
تمنح أشرطة الفيديو، وهي عموما أشد إلحاحا وأسهل متابعة من المقالات الصحفية أو نصوص المدونات، قوة وإعترافا لهذه المسائل، كما أن العديد من شبكات التلفزيون في المنطقة تعتبر هذه المسائل بالغة الحساسية أو مثيرة للجدل بالنسبة لجمهور مشاهديها. ولذلك يكون من الممكن التنبؤ بأن قوالب الفيديو ستشكل الجيل الجديد للمدونات، وعلينا أن نتوقع في المستقبل القريب زيادة في مدونات الفيديو المنبثقة من العالم العربي. ومع سهولة تحويل أشرطة الفيديو وإنسجامها مع تكنولوجيا الهاتف الجوّال، مما يسمح للناس بإرسالها عبر نظام "بلوتوث" اللاسلكي وعبر الرسائل النصيّة القصيرة (SMS)، بات الآن من الأسهل إستقبال الأشرطة وتشاطرها مع الناس، بغض النظر عمّا إذا كانوا موجودين أم لا قرب جهاز كمبيوتر سلكي.
وكما تقدم ذكره في البدء، ساعدت الزيادة في إستخدام الإنترت وفي الفرص التقنية للوصول إليه كثيرا من المؤلفين والقراء والناشطين في المنطقة فيما يخص الإمتداد الإعلامي، وصرنا نواجه للمرة الأولى عقبات أقل في التعبير عن آرائنا وفي مشاطرة جهودنا لصالح حقوق الإنسان مع العالم، عبر المدونات والمنتديات أو أشرطة الفيديو. وحتى أولئك الذين لا يستطيعون إمتلاك كمبيوترات خاصه بهم يجدون طريقة ما للوصول إلى الإنترنت، إدراكا منهم بأهميته في مجتمعاتنا حيث ليس كلّ القضايا تفلح في المرور عبر حرّاس الأبواب في أجهزتنا الإعلامية. والإنترنت هو، بإمتياز، أكثر الوسائل الإعلامية "تهديدا" بين الوسائل التي إضطرت حكوماتنا إلى التعامل معها حتى الآن، خاصة لأنه من المستحيل تقريبا خنق صوته.