قرار الحكومة تقديم مشروع قانون الى مجلس الامة يلغي المجلس الاعلى للإعلام يضع نهاية لتجربة او قل محاولة اصلاح الإعلام الرسمي وتنظيم مرجعية مستقلة له تحت عنوان »إعلام دولة لا إعلام حكومات«.
من مفارقات السياسة في هذا البلد ان الحكومات هي التي تتحدث عن ضرورات اصلاح الإعلام الرسمي وهي نفسها وليس غيرها من يحبط كل محاولة جدية للاصلاح.
الحكومات وليست الصحافة من اطلق وصف »الإعلام المرعوب«, ومجلس الوزراء وليس الإعلاميون او نقابة الصحافيين من رفع شعار »إعلام دولة وليس إعلام حكومة« وهي العبارة التي زينت الارادة الملكية بانشاء المجلس الاعلى للإعلام (الاول), برئاسة الدكتور كامل ابو جابر, ولكن عندما جسد المجلس آنذاك الرغبة الملكية بمشروع قانون يضمن استقلال المؤسسات الإعلامية ويوفر الحرية الكافية لها, كانت الحكومات, وليس اي جهة اخرى, من قاوم هذه الرغبة وحرص على تحجيم المجلس ووضع العراقيل في طريقه الى حد تهميشه وتعطيل اي جهد ولو متواضع على طريق الحرية والاستقلالية وإعلام الدولة.
لن يترك المجلس الاعلى اي فراغ على الساحة الإعلامية لانه لم يتمكن في الاصل من ملء فراغ الغاء الوزارة, كما ان التفكير بعودتها بعد ان اصبح وجود وزيرها امرا واقعا في الحكومة سيكون خطوة في الفراغ, لان المشكلة ليست بوجود الوزارة او بالغائها ولكن في غياب مظلة قانونية واستراتيجية اعلامية, المشكلة باقية لانها لا تتعلق باشخاص او مؤسسات انما بالمفاهيم والدور.
مشكلة الإعلام الرسمي في تعدد المرجعيات الذي يؤدي الى (1) غياب وجود رؤية واستراتيجية موحدة لدور الإعلام في خدمة الدولة والمجتمع (2) وجود اختلاف عميق, بل هوة واسعة بين مفهوم إعلام الدولة في ظل عملية اصلاح شامل, ديمقراطي اجتماعي واقتصادي وثقافي, وهي الغاية التي من اجلها وجد المجلس الاعلى, وبين وجود مفهوم رسمي سائد بأن الحريات الإعلامية خطر على الدولة والحكومات والمجتمع.
أما العقدة الأكبر فهي ان المسؤولين يرون بأن لا دور للإعلام الرسمي خارج كونه قناة دعاية للمسؤولين وانشطتهم, وهذا يفسر عدم الاقتناع الرسمي بأن اسطح بيوت الاردنيين مليئة بصحون استقبال عشرات الفضائيات الاخبارية وغير الاخبارية, وبما يسمح للمواطن مهما كان مستوى وعيه متدنيا بأن يرى ويفكر ويفهم ويقارن بين اسلوب معالجة الاهتمامات الجماهيرية في الإعلام الرسمي وبين ما هو متداول في فضائيات عربية وعالمية تمتلك المعلومات وحرية الحوار.
وجود قناة إعلامية للانشطة الحكومية مسألة حيوية لكنها يجب ان لا تأتي على حساب اهداف إعلامية وسياسية اكثر اهمية على مستوى الدولة, اهداف ادى تجاهلها الى ضعف ثقة الناس بالإعلام الرسمي وبالتالي تزايد الصعوبات امام جميع الحكومات في الترويج لسياساتها بما يقود الى نقص الدعم الشعبي للحكومة وغياب التفهم لقراراتها وبرامجها.
لا معنى للتشبث الرسمي بالسيطرة على وسائل الإعلام الا هذا التفسير بالحرص على ابقائها قناة دعاية فقط للانشطة الحكومية ورموزها, وهذا كفيل بوأد كل عملية اصلاح جادة وافشال اي تفكير بمرجعية واحدة وباستراتيجية موحدة لبناء إعلام دولة, وفي ظل هذا الواقع لن يكون مستقبل وزارة الإعلام (في حال عودتها) افضل من ما وصل اليه الحال مع المجلس الاعلى للإعلام, مجلس لم يفشل لكن تم افشاله