أثارت مقابلة جلالة الملك مع وكالة الأنباء الأردنية الكثير من ردود الفعل خاصة على المستوى الإعلامي. الملك اشار بوضوح وبدون مواربة في اللقاء إلى انزعاجه من "بعض الإعلاميين" الذين لم يلتزموا بالمهنية واكتفوا بنشر الشائعات والاتهامات بدون أدلة. نقد الملك لهذه التصرفات من بعض الإعلاميين تسببت ايضا بردود أفعال من السياسيين والإعلاميين أنفسهم. البعض حاول التضخيم والمبالغة في تصريحات الملك معمما "عدم المسؤولية" على كل الإعلاميين. البعض الآخر حاول "التقليل" من الاتهامات مشيرا بأن الملك لم يقصد فئة معينة من الإعلاميين وهذا البعض إشتكى من "حملة مكارثية" بعد مقابلة الملك ضد الإعلاميين الذين ساهموا في نقد السياسات الأقتصادية في الاشهر الماضية.
كلا الموقفين يتجاوز الدقة في توصيفه ويحاول التهرب من الواقع. نحن في صحيفة الدستور كتبنا عدة مقالات كلها تقريبا ركزت على فكرة واحدة وهي أن حرية الرأي مضمونة ولكن التشهير والتعريض بكرامات الناس مرفوض وقد جاءت هذه المقالات بعد قراءة دقيقة لمقابلة الملك ، كما شرفنا جلالته برسالة واضحة المعالم في موقع الدستور الإلكتروني مفادها أنه يضمن حرية الرأي لأي شخص إذا كانت تعليقاته مثمرة وليس فيها اتهامات من دون أدلة.
أقول لكل من حاول التقليل من نقد الملك لبعض التصرفات الإعلامية أنكم يجب أن تتحلوا بالشجاعة. طوال ثلاثة اشهر وربما أكثر كانت هناك حملة تحريض مبرمجة ومنهجية ضد السياسات الاقتصادية الحالية وصلت إلى مستوى اتهام "الليبراليين" بتفكيك الدولة والعمالة للولايات المتحدة والصهيونية بل وطالبت بعض البيانات "بطرد الليبراليين والاستيلاء على ممتلكاتهم" وتفرغت بعض الوسائل الإعلامية وبعض الإعلاميين إلى الهجوم الشخصي على رموز الفكر الاقتصادي الليبرالي. هذا النهج من التحريض والشحن وجد آثارا مباشرة في التعليقات التي زخرت بها المواقع الإلكترونية وتضمنت هجوما شخصيا سافرا على أشخاص وتيارات معينة واتهامات بدون أدلة وحالة عدوانية غير معهودة في المجتمع الأردني.
نعم نعرف أن هناك اوضاعا اقتصادية سيئة ، ونعرف أن هناك تباينا في الدخل وهناك مظاهر فساد وبذخ وسوء إدارة وسياسات وقرارات لم تكن شفافة والمعلومات عنها غير واضحة ولكن المسؤولية الإعلامية لا تكون في التحريض على جهة واحدة بل محاولة معرفة الحقائق قبل التسرع في إطلاق الأحكام. المسؤولية الإعلامية لا تعني الطعن في إنتماء وولاء البعض أو حتى في حقوقهم الدستورية كمواطنين أردنيين.
إن الحديث عن ميثاق شرف إعلامي ليس محاولة تقييد للحريات خاصة عندما يكون من قبل الوسط الإعلامي نفسه والمؤسسات التي تمثله بل اصبح حاجة ماسة لمنع هذا الإنفلات الأخلاقي والمهني وهو أهم بكثير من الخلاف السياسي. أن تعدد وجهات النظر السياسية والاقتصادية مطلوبة وبشدة ولكن الإسفاف والبذاءة والاتهامات والتشهير والتحريض ليس إعلاما مقبولا ويجب تنظيف الوسط الإعلامي من هذه الظاهرة.
لكل من يحاول إساءة تفسير كلام الملك نعيده إلى التعليق الواضح في موقع الدستور: "نعم لحرية الرأي ولا للاتهامات بدون أدلة". لا داعي للتذاكي بعد ذلك.