لا اقول ان سقف حرية التعبير كاف، ولكنني اقول ان النافذة المفتوحة بدأ يدخل منها غبار اكثر.. فهل نحتمل أم نغلق النافذة أم نبحث عن وسائل اخرى لتنقية المكان أم نضع المزيد من المناخل.. ام ماذا؟.
ما قاله بيان نقابة الصحفيين المنشور قبل يومين وأعاد النقيب تأكيده في كلمته الارتجالية بين يدي مندوب جلالة الملك في رعاية حفل افطار النقابة الامير رعد بن زيد لتكريم مجموعة من الصحفيين اعتز بأن اكون واحداً منهم وقد مضى عليّ في المهنة ربع قرن وبحضور اعضاء الجمعية العامة للنقابة والبالغ عددهم (811) صحفية وصحفياً.. ما قاله النقيب واضح وجريء وهام وقد جاء في وقته حين تحدث عن جانبين: مهني سياسي اجتماعي، وجانب مطلبي لا يجوز السكوت عليه اكثر في وقت بدأت شرائح وقوى ومؤسسات ونقابات وروابط واتحادات وهيئات تعيد اوضاع المنتسبين لها وتحصنها من العوز والحاجة واعراض غلاء الاسعار وارتفاع كلف العيش..
قصتي مع الصحافة أو ربع القرن الذي سلخته من حياتي صحفياً في موقع رئيس تحرير صحيفة يومية (صوت الشعب) وكاتباً لعمود يومي منذ (23) سنة دون انقطاع معظمها في صحيفة الرأي منذ 1990 ستكون لها رواية اخرى في غير هذا اليوم.
استوقفني كلام نقيب الصحفيين عبدالوهاب زغيلات لأنه وضع النقاط على الحروف محذراً اولئك النفر القليل من كتّاب وصحفيين ومتعاملين مع المواقع الالكترونية من استسهال سوق الكلام على عواهنه بما يحمل من تهم واغتيال شخصية واساءة للوحدة الوطنية ومساس بها ومحاولة هذه الفئة التي لا تتجاوز اصابع اليدين ثقب السفينة أو كسر الزجاج مع رغبة ان لا يراها احد وقد وضعت نفسها خارج الصف المنتظم والمعتدل لتكون في الاعوج الذي لا ينظر الله ولا المصلحة الوطنية اليه.. لا تكون الصلاة الا خلف امام حين تكون عامة ولذا كان تأكيد النقيب على الولاء للوطن والملك وعلى نبذ الفرقة والانقسام وتعظيم الصالح العام.
شجاعة النقيب انه شخّص الواقع ودعا لاجتثاث الفاسد من الكتابة والتجريح منه ودعا الى وقف الاستقطاب في الاقلام وفض الاشتباك على قضايا ثانوية يمقتها شعبنا وقد ادار الظهر لها منذ سنوات طويلة فما بال نفر يعيدها أو يحاول الاستثمار فيها..
كلمة النقيب تمثلنا في الهيئة العامة التي اجمعت عليها بالتصفيق وهي تجعلنا في الغالبية العظمى من الصحفيين المنضوين في خيمة النقابة براءة من هذا الافتراء والصيد في المياه العكرة، كما تجعلنا اكثر حماسة وشجاعة في الوقوف في وجه الخطأ او قبول مس وحدتنا الوطنية المقدسة المعبّر عنها بهذه الانجازات العظيمة التي تترجمها قيادة الملك عبدالله الثاني ورجاله المخلصون..
لا يجوز ان يكون السجال الاعلامي على هذه الدرجة من الركاكة والسخف وان يفتقد الى المهنية ليدخل الى الظنية والردح ومس الثوابت الوطنية والاساءة الى ما اجمع عليه شعبنا في وحدته ومحبته لوطنه وقائده..
النقيب الذي تحدث بحرقة ووضوح ذكر بمقابلة الملك عبدالله الثاني لوكالة الانباء الاردنية قبل حوالي شهرين وبمضامينها كما حذر من انتشار الاصوات المبحوحة او المتحشرجة التي تريد ان تمرر رسائل خطيرة الى اجندات ليست وطنية وقد اصاب في ذلك..
نوافق النقيب انه لا يجوز لهذه الاقلام او الاراء العابثة ان تتوسع في فضاء الحرية المتاح حتى لا تسممه او تغلقه او تستفز عليه من يجد ضرورة وقفها فتقع حين ذلك المصادرة التي لا نريدها لأحد خاصة وان القائد عبدالله الثاني كفل سقف الحرية حين شرع لها السماء حدوداً.
ما سمعناه من رئيس الوزراء المهندس نادر الذهبي قبل عدة ايام اثناء التحاق مجموعة جديدة بعضوية نقابة الصحفيين يشخص الوضع ويضع التوجيه المناسب له حين ميّز بين حرية التعبير المضمونة والتي هي حق وبين من يحاولون اسقاطها واشغالها بالجانبي والسلبي باعتماد اغتيال الشخصية العامة او الاساءة لها دون وجه حق وبعيداً عن المهنية والحقيقة داعياً الصحفيين الى امتلاك وسائل البحث عن الحقيقة، وتجويد هذه الوسائل وتمهينها واخضاع المعلومة للتدقيق والتفتيش قبل اطلاقها لأن المعلومة الخاطئة تكون كالرصاصة القاتلة في بعض الاحيان حين تصيب ابرياء او تتعمد الاساءة الى شخصيات العمل العام او الدولة أو الشخصيات العامة مهما كانت مواقعها.
في الجانب المهني كان المطلب واضحاً وقد اثنى النقيب على التوجهات الملكية لتعميق دور الصحفي وتمكينه من اداء رسالته وصقل موهبته وامكانياته بالرعاية والتدريب.. وفي الجانب المطلبي للصحفيين فإن النقيب كان واضحاً تماماً بالمطالبة بموقع سكن كريم للصحفيين يجعلهم في وسط العاصمة وقريبين من التفاعلات والاحداث لطبيعة المهنة ومناشداً وواعداً بالعمل كي يتم ادراك ضرورة ان يكون لسكن الصحفيين موقع آخر غير الذي جرى وضعهم فيه وان يكون لهم المزيد من الحقوق والمكاسب خاصة تلك التي تأخرت.. صوت النقيب جاء واضحاً وشجاعاً ويمثل الجسم الصحفي.. جاء ليفرز الحقوق التي لنا والواجبات التي علينا والتي يجب ان نؤديها ونحميها من الخطأ والفساد.