رغم أن الصحافة المستقلة ومواقع المدونات تحاول تعزيز حرية التعبير في مصر، فقد شهد العام 2007 تزايدا كبيرا في الهجمات على الصحافة المصرية وحرية التعبير.
قال جويل كامبانيا، المنسق الأعلى لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحافيين في واشنطن لشبكة الصحافة العربية: "أطلقت الحكومة المصرية حملة عنيفة استمرت طوال العام ضد الصحافة المستقلة. وتم اعتقال صحافيين وأصحاب مدونات، وتعرضوا للملاحقة والمضايقات لمعالجتهم قضايا مثيرة للجدل. وكانت الصحافة المستقلة الصاخبة مصدرا للقلق المتزايد بالنسبة للمسؤولين المصرين. وتأتي حيويتها وشعبيتها المتعاظمان على حساب الصحافة التي تديرها الحكومة، وتخسر قراءها يوما بعد يوم."
رغم ما يشير إليه كامبانيا على أنه "حضور متزايد للصحافة المصرية"، شدد أن لجنة حماية الصحافيين لاحظت "تناقصا مستمرا لحريات الصحافة خلال السنوات الخمس الماضية، وهي فترة شهدت أكبر عدد من الهجمات والملاحقات ضد الصحافيين".
كنتيجة على ذلك، تعرضت السلطات المصرية لانتقادات قاسية من لجنات حقوق الانسان في العام الماضي، وانتقلت البلاد إلى المراتب الأخيرة على معظم مؤشرات حرية التعبير في العالم.
في أيار/مايو 2007، أشارت لجنة حماية الصحافيين إلى مصر على أنها من الدول "الأكثر تراجعا من حيث حرية الصحافة" مركزة على زيادة عدد الهجمات ضد الصحافة منذ 2003. أواخر العام 2007، احتلت مصر المرتبة 146 من أصل 169 دولة على المؤشر العالمي لحرية الصحافة، وهو تصنيف سنويا تنشره منظمة مراسلون بلا حدود في باريس.
وأعلن إيهاب الزلاكي، مدير التحرير في صحيفة "المصري اليوم" اليومية، "يعتقد معظم الصحافيين المصريون أنهم بعيدون عن السجن، وربما عليهم إعادة النظر في هذا الاحتمال مع اعتقال عدة صاحفيين خلال العام الماضي."
أما مجدي عبد الهادي، محلل الشؤون العربية في قناة بي بي سي، فيصر على أنه وفي حين تبقى صورة البيئة الصحافة المصرية "متضاربة، فإن الخطوط الحمراء لانت إلى حد ما فيما يتعلق بحرية الصحافة."
وأضاف "يمكنك أن تقرأ اليوم عن مواضيع حساسة في الصحافة المستقلة، وهذا لم يكن موجودا في السنوات القليلة الماضية. فمثلا، ما كان بإمكاننا على الاطلاق في الصحافة المصرية، قراءة مواضيع تتعلق بالتعذيب وانتهاك حقوق الانسان الذي تمارسه الشرطة في مصر. كما تتمتع بعض القنوات التلفزيونية الخاصة في مصر بحرية أكبر من أي بلد عربي آخر حيث الوضع أسوأ."
عام يبدأ بحكمين بالسجن
في كانون الثاني 2007، أوقفت السلطات الأمنية في مطار القاهرة الدولي الصحافية هويدا طه متولي من محطة الجزيرة، وهي تحاول ركوب طائرة إلى قطر، مقر الجزيرة. وكانت طه تعمل على فيلم وثائقي عن التعذيب في مصر، وزعم أن السلطات المصرية سحبت منها شرائط التصوير والكمبيوتر المحمول. وحكم على طه بالسجن لستة أشهر في 2 أيار/مايو بتهمة "حيازة ونشر صور مزورة عن الوضع الداخلي في مصر، وهذا قد يؤثر سلبا على وقار واحترام البلاد."
وأطلق قرار سجن صاحب المدونات كريم عامر، 23 عاما، في شباط، موجة غضب عارمة في المجتمع المدني المصري واستقطب اهتماما كبيرا من الإعلام الدولي، ما لم يكن مرغوبا في الدولة المصرية. وحكم على عامر، وهو منقد صارم لجامعة الأزهر والحكومة المصرية، بالسجن لأربعة أعوام بتهمة ذم الإسلام والرئيس المصري حسني مبارك على موقع المدونات الخاص به. وكانت هذه المرة الأولى التي يحاكم فيه صاحب مدونات بالسجن في مصر.
وشدد جمال عيد، محامي عامر ومدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان، وهو مؤسسة غير حكومية مركزها في القاهرة، أن "كريم تخطى الحدود بانتقاد الإسلام، الرئيس والأزهر".
واقترح عبد الهادي أن السلطة قد تكون حاولت "حماية شرعيتها" بسجن عامر، وأظهرت أنها صارمة فيما يتعلق بانتقاد الدين".
عند مزج الناشطين بأصحاب المدونات، يكون الوضع خطرا، بحسب عيد. ففي نيسان/أبريل، اعتقلت السلطات الأمنية في مطار القاهرة الصحافي وصاحب موقع مدونات، عبد المنعم محمود من الإخوان المسلمين، وهو في طريقه إلى السودان لإجراء تحقيق عن حقوق الانسان في العالم العربي.
وزعم أن محمود، الناشط ضد التعذيب في مصر، اتهم بانتمائه إلى الإخوان المسلمين وشتم الحكومة. وقد سجن في عدة منشآت، منها سجن طورا، لحوالي الشهر قبل إطلاق سراحه. وتقول منظمات حقوق الانسان أن اعتقال محمود جاء كنتيجة مباشرة لما ينشر على موقعه.
أصحاب مدونات تحت المراقبة
رغم هذه العواقب والعراقيل، تستمر مدونات مصر بتقليص دائرة الخطوط الحمر في حرية التعبير وتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الانسان في البلاد. وهي غالبا ما تنشر مواضيع مثيرة للجدل مثل التعذيب التي تمارسه الشرطة، فتجذب اهتمام الإعلام المحلي والمستقل.
كان وائل عباس، وهو صاحب مدونات شهير وناشط ضد التعذيب، من أول الذين نشروا أشرطة الفيديو الشهيرة التي أظهرت رجلين من الشرطة المصرية يعذبان ويعتديان على سائق شاحنة عماد اكبير، بواسطة عصا في مركز شرطة بالقاهرة في العام 2006. وأثارت القضية غضب منظمات حقوق الانسان وحكم على الشرطيين بالسجن في قضية أولى من نوعها في تشرين الثاني 2007.
وقال عباس لشبكة الصحافة العربية "أظهرت المدونات فعاليتها في مصر. فمن السهل على السلطة منع نشر الصحف لكنها لا تستطيع وقف نشاطات المدونات."
واستقطب الناشطون الالكترونيون اهتمام السلطات وقال كثيرون منهم أنهم يتعرضون للمراقبة والمضايقات والتخويف. كما اعتقل البعض منهم وسجنوا بسبب هذه النشاطات.
ويقول عباس "يعلمون ما أفعله على شبكة الانترنت. وقد تلقيت عدة اتصالات هاتفية طلبوا مني فيها وقف التعاون مع منظمات حقوق الانسان."
فرض السيطرة والممنوعات في أيلول/سبتمبر
شهد شهر أيلول/سبتمبر عدة أحكام بالسجن بحق صحافيين مستقلين، ما اعتبر "ضربات جديدة ضد حرية التعبير" بحسب منظمات حقوق الانسان. وقد حكم على عادل حمودة، محرر في صحيفة الفجر الأسبوعية؛ وائل الأبرشي، من صحيفة صوت الأمة الأسبوعية؛ عبد الحليم قنديل، المحرر السابق في صحيفة الكرامة الأسبوعية وابراهيم عيسى المحرر في الدستور اليومية، بالسجن لمدة عام مع دفع غرامة 20 ألف جنيه مصري بتهمة "نشر معلومات خاطئة قد تضر بالنظام العام."
وجاء في تقرير نشرته لجنة حماية الصحافيين، أن القضية بدأت مع محام من الحزب الوطني الديمقراطي اتهم المحررين المذكورة أسماؤهم أعلاه بشتم شخصيات رسمية وحكومية ونشر معلومات خاطئة. كما اتهم عيسى في قضية منفصلة أقامها المدعي العام الأمني بنشر تقارير "يمكن أن تهدد الأمن العام وتؤذي المصلحة العامة" بعد سلسلة من المقالات نشرت في الدستور وأثارت التساؤلات حول صحة الرئيس مبارك. ومن المتوقع إقامة جلسات الاستماع في كانون الثاني/يناير الجاري.
وقال هشام قاسم، الناشر السابق لصحيفة المصري اليوم والناشط في مجال حرية الصحافة "تحاول السلطة التقليص من الأهمية التي اكتسبتها الصحافة المستقلة خلال السنوات الثلاثة الماضية."
وفي الفترة نفسها، أدين رئيس تحرير الوعد، أنور الهواري، ونائبه محمود غلاب، ومحرر القسم السياسي في الصحيفة عامر سالم، بتهمة التشهير في قضية أقامها 11 محاميا على صلة بالحزب الوطني الديمقراطي. وقد حكم على كل من المتهمين بالسجن لمدة سنتين لكن أطلق سراحهم بعد محاكمة استئناف.
بحسب مجدي عبد الهادي "هناك خوف من أن تؤثر الصحافة المستقلة على الرأي العام" بالنظر إلى إدانات عدد من الصحافيين المستقلين.
ويتابع "يتم تطبيق القانون في مصر بطريقة انتقائية إلى حد ما. فتكون السابقة صارمة في قضايا ولينة في أخرى." لكن إن أرادت السلطات استخدام القوة، "يمكنها تطبيق قوانين كثيرة ومتعددة".
ردا على "الأحكام الجماعية" التي طالت المحررين والصحافيين في مصر في أيلول/ سبتمبر الماضي، شاركت عدة صحف معارضة ومستقلة في مقاطعة نشر استمرت يوما كاملا في 8 تشرين الأول/أكتوبر جاءت كعربون تضامن مع المحررين والصحافيين المدانين. وتضامن معهم عدة أصحاب مدونات وامتنعوا عن نشر أي مقالات على مواقعهم الالكترونية.
وقال إيهاب الزلاكي من المصري اليوم "تهاجم الحكومة الاعلام الحر بسبب الأهمية التي يكتسبها. يتنشر الصحافيون المستقلون في مصر هذه الأيام وقد بدأ الشعب يبتعد عن الصحف الحكومية لصالح المنشورات المستقلة. لقد استولت الصحافة المستقلة على حصة كبيرة من السوق الإعلامي المصري."
وقد أقيمت مؤخرا ست دعاوى قدم وذم ضد وائل الإبرشي، رئيس تحرير صوت الأمة المستقلة. وقد تقدم بهذه الدعاوى ستة رجال أعمال ردا على مقالات نشرت في صوت الأمة تحت عنوان "انتهاك القوانين من قبل شركات يديرها رجال الأعمال". وستقام جلسات الاستماع في 28 كانون الثاني/يناير و11 شباط/فبراير 2008.
آراء منقسمة حول 2008
ما زال مجهولا ما إن كان عام 2008 سيكون عاما جديدا من القيود على حريات التعبير والصحافة في مصر، وتنقسم الآراء حيال هذا الموضوع.
وصرح عبد الهادي "لدينا إشارات بالتطور، كنمو الصحافة المستقلة. من ناحية أخرى، نشهد أحداث متغايرة تماما، كإدانة أربعة رؤساء تحرير."
رغم المشاكل التي شهدها العام الماضي مع السلطات المصرية، يرى الزلاكي أن الصحافة المستقلة في مصر ستستمر في الازدهار ويقول "تحاول السلطة اعتبار المدانين قدوة وإخافة الصحافيين عبر إدانة بعضهم كما حصل عام 2007".
أما هشام قاسم فيعتبر أن أحداث 2007 ليست سوى بداية لأزمة أكبر "إنها بداية عملية قمع كبرى. لا أحد يعلم ماذا سيحصل بعد ذلك. الأمر يعتمد عما إذا كانت الصحافة المستقلة ستقف في وجه الحكم. والأهم وجود أشخاص سيتحركون ويقاتلون من أجل حقوقهم وحرية التعبير."
لكن عباس يبقى متهكما في ما يتعلق بمستقبل المدونات. ويقول "من الواضح أن حرية التعبير تواجه مشاكل أكبر فأكبر. وقد عرفنا الكثير من حرية التعبير والصحافي في 2005 و2006، لكن المستقبل يبدو أقل جمالا بالنظر إلى عملية القمع الأخيرة ضد الصحافيين وأصحاب المدونات."
لكننا شهدنا تطورا واحدا في أواخر 2007. ففي نيسان/أبريل تقدم رئيس محكمة الاستئناف العالي في الاسكندرية، القاضي عبد الفتاح مراد، بقضية ضد 51 موقعا الكترونيا لمنظمات مصرية لحقوق الانسان وأصحاب مدونات، طالب فيها بإقفال هذه المواقع على أساس "أنها تشوه سمعة الحكومة المصرية."
وأخذت القضية التي عرفت باسم "محاكمة المواقع الـ51" منعطفا مثيرا بعيد اتهام جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان، القاضي مراد بانتهاك حقوق الملكية الفكرية للشبكة عبر إضافة 50 صفحة من تقرير للشبكة في كتابه من دون ذكر المصادر أو المراجع.
وجاء حكم المحكمة في 29 كانون الأول/ديسمبر رفضا للدعوى، حيث عبرت المحكمة عن دعمها لحرية التعبير وشددت على أهمية عدم التعرض لحرية هذه المواقع طالما أنها لا تهدد المعتقدات الأساسية والنظام العام.