كنت أجلس مع بعض زملائي الصحافيين نتناول موضوع عدم وجود إعلاميين متخصصين في بلادنا. وكانت إحدى الحجج التي قيلت تبريرًا لهذا هي أن كليات الإعلام تفتقد إلى البنية الأساسية الضرورية وهي ضعيفة ولا توفر التدريب الصحافي العملي ولا تقدم للخريجين غير جرعات مكثفة من العلاقات العامة وحتى هذه لا تساعد، كما قال أحد الزملاء.
وتساءل أحدنا: ماذا عن الهيئة الوطنية للصحافيين؟ ألا يمكن أن تقدم شيئًا بالتنسيق مع الكليات؟ وأجابه آخر إنه من الصعب على أي إنسان أن يغير أو يضيف إلى النظام التعليمي فالعملية متعبة وقد تستغرق سنوات.
واقترح ثالث أن تقوم المؤسسات الصحافية ذات الأرباح العالية بتخصيص مبالغ معينة للتدريب، ووافقته على اقتراحه.
ولاحظت أننا كأكبر مورد للطاقة في العالم ليس لدينا مراسل متخصص في هذا المجال وليس لدينا محلل مرموق إقليميًا أو عالميًا في التحليل النفطي. ونحن أيضًا رواد في مجال تحلية المياه لكن ليس لدينا متخصص للكتابة في هذا المجال الحيوي والمهم للأجيال المقبلة.
والصحافيون العاملون في العديد من الصحف العالمية ليسوا خريجين من كليات الصحافة على عكس الإذاعة والتلفزة والإنترنت، حيث يعتبر التعليم الفني أساسيًا.
وفي الصحافة المكتوبة فإن المعول الأول على القدرات الكتابية والموهبة الفطرية والحسّ الصحافي، أما في مجال التصميم والإخراج فإن الأمر يحتاج إلى معرفة بالكمبيوتر، وقدرة على التصور وموهبة كتابة العناوين المثيرة الملفتة للانتباه.
وتقع مسؤولية التدريب على المؤسسات الصحافية وأفضل شيء يمكن أن تقوم به هو وضع برنامج يستطيع الخريجون الجدد الالتحاق به وتعلم الصحافة من الصفر لكن للأسف يتحرج الخريجون في بلادنا من عمل ذلك.
وعلى العكس من ذلك فإن الخريجين في الغرب يشعرون بالفخر والاعتزاز إذا أتيحت لهم فرصة التدريب والتعلم من الصفر في مؤسسات صحافية مرموقة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل لدينا مؤسسات مرموقة وأسماء كبيرة؟ هل رؤساء التحرير على استعداد لأن يلعبوا دور المرشد والموجه والمعلم؟ هل لديهم القدرة على أن يكونوا المثل والقدوة؟ هل هم على استعداد لأن يعطوا الخريجين الجدد جزءًا من وقتهم الثمين؟ وعلى الأقل نحن نحتاج إلى إجابات صريحة على هذه الأسئلة.
إن عملية خلق صحافي جيد ليست تصوير ورق بل تطلب وجود نماذج حية تلهم الصحافيين الشباب وتخلق في نفوسهم الرغبة في الاستمرار والتعلم.
ونحن في "عرب نيوز" أدخلنا عملية التوجيه والإرشاد ولدينا خريجون يحملون شهادات الماجستير والدكتوراة وهم متدربون يخضعون إلى برنامج مكثف ومتعب يبتدئ من قطع الورق إلى قراءة الموضوعات انتهاء بكونهم يعملون مساعدين للمحررين.
ولم يستطع عدد منهم الاستمرار لأنهم اكتشفوا أن الصحافة الحقيقية ليست عملاً سهلاً أما الذين صبروا وواصلوا فإنهم يحتلون الآن مراكز مرموقة بل وصل بعضهم إلى قيادة العمل في بعض الصحف وفي التلفزيون والشركات وكانت الفائدة أولا وأخيرًا للبلد وللمجتمع السعودي.
وكما هو معلوم ليس بمقدور أي إنسان أن يكون صحافيًا حتى لو كان حاملاً لشهادة الماجستير أو الدكتوراة لأن الأمر يحتاج أولاً إلى موهبة فطرية، وعين فاحصة ورغبة في الغوص في التفاصيل وكشف الحقائق وإلى استعداد للتضحية ومقابلة الصعوبات والتعامل مع المواقف الصعبة منها مثلاً أن تتم فجأة مصادرة ما معك من كاميرات أو أجهزة كمبيوتر محمول، كما يحتاج الأمر قبل ذلك إلى المعرفة العامة، والثقافة المستنيرة، والقدرة على قول الحقيقة والرغبة في أن تكون ضمير المجتمع اليقظ النابض بالحياة.