الحكم بسجن أربعة رؤساء تحرير صحف مستقلة في مصر أثار ضجة متوقعة وكبيرة : فالحكم بسجن صحفيين لأسباب تتعلق بمهنتهم أمر قليل الحدوث بل نادر، في العالم المتقدم الذي نطمح للحاق به. وفي العادة يتعرض صحفيون للسجن إذا تعرضوا، لأسباب أخرى لا تتعلق بالمهنة، وحيث التعويض المالي هو المتبع والمعهود في الحالة الأخيرة.
الزملاء الأربعة هم من الجيل القيادي الشاب ( نسبياً..) وهم : ابراهيم عيسى (الدستور) وعادل حمودة ( الفجر) وعبدالحليم قنديل (الكرامة) ووائل الأبراشي (صوت الأمة).
الحكم يقضي بالسجن على الأربعة لمدة عام، مع غرامة قدرها عشرون ألف جنيه لكل منهم، ولا داع لذكر المبلغ محولاً إلى الدولار فالجنيه جنيه في بلده.
هذه القضية المقلقة تثير الملاحظات التالية:
ـ الحكم ما زال في درجته الأولى وهناك فسحة لاستئنافه. والصحفيون الأربعة طلقاء حتى تاريخه، وبكفالة مالية قدرها عشرة آلاف جنيه مصري.
ـ حيثيات الدعوى تعود لنشر بعض هذه الصحف أخباراً تتعلق بصحة الرئيس مبارك، وقد ذهبت إحدى الصحف، إلى آخر حدود التكهنات في هذا المجال فتحدثت عن نفاذ قضاء الله، مما يدخل في باب الأخبار غير الصحيحة، بينما وصفت صحيفة أخرى الحزب الوطني الحاكم بأنه ديكتاتوري، مما يندرج في باب الرأي.
ـ الأحكام صدرت وفق قانون المطبوعات المصري الصادر في العام الماضي. وإذا كانت هناك تحفظات وهناك منها الكثير، فينبغي أن تتجه للقانون الذي احتكم إليه القضاة، لا إلى الأحكام التي أصدروها وفق القانون، وقد نال الزملاء أقصى عقوبة يتضمنها القانون.
ـ مبدأ التقاضي هو ما يطمح إليه الإعلاميون وغير الإعلاميين لإرسائه والاحتكام في دولة الحق والقانون، للبت في النزاعات. في دول أخرى بلا حصر يتم تجاهل هذا المبدأ، فتتولى السلطة التنفيذية منفردة الإجراءات وإصدار الأحكام وتنفيذها.
ـ في مصر لا يتردد قضاة المحاكم حين الاقتضاء، في إصدار قرارات وأحكام لغير صالح السلطة التنفيذية.
ـ مصر هي في مقدم البلدان العربية، التي تشهد حرية تعبير واسعة وراسخة تثير الإعجاب حقاً ، والتي تشمل سائر المطبوعات، وعلى سبيل المثال فإن إصدار الكتب لا يقتضي موافقة إدارية مسبقة.من باب الإنصاف والموضوعية والدعوة للاستلهام، أن يشهد المرء بهذا، وذلك في مقابل الإشارة إلى تقييدات أخرى على إنشاء الأحزاب مثلاً.
في ضوء هذه الملاحظات، فإن لكل امرىء أن يستخلص ما يشاء من انطباعات وأحكام، حول هذه القضية المثيرة التي ما زالت تتوالى فصولاً. من الأفضل أخذ العلم بما سبق من حيثيات وأية حيثيات مكملة قبل إصدار التقديرات، وبما يسمح بتفادي الأحكام المسبقة والمتعجلة.
وفي المحصلة فإن كفالة حرية التعبير والارتقاء بالمهنة الإعلامية، يشكل رصيداً معنوياً وحضارياً لا غنى عنه، لكل بلد ينشد التقدم. كما أن الاحتكام للقوانين والسعي لتطويرها وفق القنوات الدستورية، هو ضمانة لنفاذ العدالة للإعلاميين وللمجتمع بأسره.