رغم الإهتمام الإعلامي القليل، وعدم حضور ممثلين عن وسائل الإعلام الرسمية الفلسطينية، قيم عدد من الخبراء في مجال الإعلام والوزارء السابقون الطريقة التي يتعامل بها الإعلام الفلسطيني مع المجتمع الدولي والرسالة التي تحمل وجهة النظر الفلسطينية والتي يوجهها الإعلام الفلسطيني إلى العالم ومدى فعاليته وقدرته على إيصالها.
وأوصى المتحدثون الذين في ورشة عمل عقدها مركز القدس للإعلام والإتصال (JMCC) في فندق الجراند بارك بمدينة رام الله مساء 16 كانون الثاني بضرورة وضع إستراتيجية إعلامية متطورة ومتقدمة قادرة على الوصول إلى أفئدة العالم الغربي، وبضرورة فصل الخطاب الإعلامي الموجه لأوروبا عن مثيله الموجه إلى أمريكا، مشيرا إلى أنه يجب أن يتركز حول إبراز الإنتهاكات الإسرائيلية للشعب الفلسطيني.
وطالب المشاركون بضرورة إيجاد قاموس من المصطلحات الإعلامية التي يمكن أن يستخدمها السياسي الفلسطيني والناطقون الرسميون، وترك المصطلحات المستخدمة حاليا والتي تحاول إسرائيل إجبار السياسيين الفلسطينيين على إستخدامها والتي تصب في مصلحتها وتعمل على خدمتها في النهاية، علما أن إستخدام المصطلحات الجديدة يسهم في دعم الثوابت الفلسطينية وترسيخها في أذهان المستمعين.
إيصال الرسالة الرسمية الفلسطينية..
وفي طريقة إيصال الرسالة الإعلامية إلى العالم تحدث د. نبيل قسيس رئيس جامعة بيرزيت حاليا، ووزير التخطيط السابق، عن تجربته في السنوات العشرين الماضية والتي تخللها نقل رسائل سياسية فلسطينية رسمية إلى العالم، مشيرا أن هناك نوعين من الرسائل الرسمية أولها السياسية والنوع الثاني تلك المتعلقة بالرأي العام.
وأعتبر قسيس أن أهم شيء في الرسالة الإعلامية هو مضمونها الذي يجب أن يكون يحتوي على معلومات صحيحة ودقيقة ولا تتضارب مع رسائل سابقة بذات الخصوص، كما أنها يجب أن تحتوي على المصطلحات الفلسطينية، التي يجب أن نكرر إستخدامها لتصبح أساسا للسامعين.
وأضاف قسيس أن على المتحدثين أن يهتموا بالأمور الشكلية التي تعتبر ضرورية، فأسلوب العرض وقدرة ناقل الرسالة في الإجابة على الأسئلة المطروحة عليه تعتبر ضرورة في الرسائل الإعلامية، كما يجب الإهتمام في حركات مقدم الرسالة وطريقة جلوسه ولباسه وسلوكياته المختلفة، إضافة إلى أنه من المفيد أن يقدم المتحدث الفلسطيني من قبل شخصية يثق بها المستهدفين بالرسالة الإعلامية، وهذه الأمور لا تزال غائبة عن المتحدثن الفلسطينيين.
ولفت إلى أن كسب الآخرين يتطلب مثابرة وعمل دؤب متواصل والرضى بالنتائج القليلة التي تحقق، لأن لصورة النمطية لدى الغرب لا يمكن أن تتغير بسهولة، وخصوصا أن الغربيون لا يزالون يتشككون بكل ما هو غربي ويعتبرون أن الإسرائيليين أقرب إلى حضارتهم ومجتمعهم من الفلسطينيين.
وأخيرا أشار قسيس إلى أن الأعمال هي أبلغ من الأقوال والكتابة والرسائل الإعلامية بآلاف المرات، فالانتخابات الفلسطينية جلبت كما هائلا من وسائل الإعلام الفلسطينية التي كتبت عن فلسطين وعن تحول الديمقراطية الفلسطينية، بشكل لا يمكن أن يحققه مئات آلاف الرسائل الإعلامية.
العوائق والتحديات أمام إعلام فلسطيني فعال..
وقدم المحامي الأمريكي، الفلسطيني الأصل، مايكل ترزي، العامل في الدائرة الإعلامية في وحدة دعم المفاوضات ورقة تحدث فيها عن العوائق والتحديات البنيوية التي توجه الإعلام الفلسطيني والتي تمنعه من القيام بدور لافت وفعال، معتبرا أنه يجب بداية على الفلسطينيين أن يفهموا لماذا يتعاملون مع الصحافة، وماذا يريدون من الصحافة الأمريكية وكيف يوصلون رسالتهم الإعلامية إليها.
وفي تقيمه للإعلام الغربي إعتبر أن هناك إنحيازا منذ وقت بعيد لصالح إسرائيل في الصحافة العالمية، وإسرائيل تعمل بشكل منهجي ومركز مع الصحفيين العاملين الذين يقيمون فيها عندما يحضرون إلى فلسطين ولا يقيمون في الأراضي الفلسطينية ويعتبرون المواطنين الإسرائيليين أقرب إليهم من الفلسطينيين.
ولفت ترزي إلى عدم وجود أي جهة رسمية تتولى التعامل مع الصحفين العاملين ومتابعتهم في الأراضي الفلسطينية بينما يوجد مكتب الصحافة الحكومي في إسرائيل، وطالب بإيجاد مثيل له في الأراضي الفلسطيني يكون مرجعا للصحفين الأجانب ويحضرون إليه للحصول على المعلومات التي يريدونها والتي يمكن لكافة المؤسسات الحكومية نقلها إلى الصحافة عبر ذلك المكتب الذي يعمل أيضا على توفير إتصال بينم وبين السياسيين.
وتحدث ترزي عن الأخطار الكبيرة الموجودة في الصحافة الأمريكية والتي يجب على الفلسطينيين أن يعملوا على تصحيحها، مثل المعلومة المغلوطة القائلة أن هناك 200 ألف مستوطن في الضفة الغربية، بينما يوجد في الضفة الغربية 400 ألف مستوطن منهم 200 ألف في القدس الشرقية المحتلة عام 1967.
وطالب ترزي بضرورة إيجاد متحدثين بإسم الحكومة الفلسطينية قادرين على إيصال الرسالة الإعلامية الفلسطينية بشكل فعال وبكل اللغات المطلوبة في أي وقت يحتاج إليهم الصحفين، يقومون بتقديم وجهة النظر الفلسطينية بالطريقة الفلسطينية للتغلب على الرواية الإسرائيلية السائدة.
إستراتيجية السلطة الوطنية في مخاطبة العالم..
واستخف النائب والإعلامي ووزير الإعلام السابق نبيل عمرو بالإدعاء القائل بأن هناك إستراتيجية فلسطينية للتعامل مع الإعلام الغربي، معتبر أن السلطة الفلسطينية لم تطور خلال عشرة سنوات من عملها في الأراضي الفلسطيني أي إستراتيجية إعلامية ترتب طريقة التعامل مع الصحفيين الغربيين في الأراضي الفلسطينية.
وأضاف عمرو في ورقته التي قدمها ان ما يعقد الأمور هو الإنفصام القام بين السلوك واللغة معتبرا أن العالم أصبح يطالب بمعرفة أدق التفاصيل المتعلقة بالفلسطينيين وأن ويجب أن نقدم لهم رسائل واقعية وتقدم تفصيلا لما يدث عوضا عن الرسائل المثالية المقدمة حاليا.
وإعتبر أن العالم مستعد للإستماع إلى كل ما يقال وأن على الفلسطينيين أن يقدموا ما يمكن أن يخترق عقول وقلوب العالم، وهذا الأمر بحاجة إلى خطط إعلامية قادرة على التأثير والفرص لا تزال متوفرة حتى الحظة رغم الفرص الكثير التي ضاعت في السابق.
واضاف عمرو أن المؤسسة السياسية الفلسطينية أن تفهم ماذا يريد الإعلام منها، فرغم المشاكل التي يسببها لنا الاحتلال إلا أن وجودنا إلى جانب إسرائلي يمكن أن يستغل بطريقة فاعلية وتخدم بشكل أفضل إذا ما أحسن استغلال وسائل الإعلام المهتمة بأحداث الشرق الأوسط.
ولفت عمر إلى أن الإعلاميين الفلسطيني بحاجة أولا إلى معرفة طريقة مخاطة شعبها في الدرجة الاولى وسط هذا التدفق الهائل من المعلومات، ويجب أن نخلق فكر جديد وإلى تعامل جديد في الإعلام يكون واقعي وجريء، كما يجب أن نعيد حساباتنا الإعلامية.
الإستراتيجيات الوطنية عند مخاطبة الرأي العام الأمريكي:
وفي مداخلة أخيرة قدمها السفير الفلسطيني في الولايات المتحدة الأمريكية حسن عبد الرحمن أكد أن هناك عد عناصر للعمل الإعلامي يجب متابعتها وهي الرسالة والهدف منها والجمهور المستهدف وأداة إيصال هذه الرسالة.
وتحدث السفير عن التجربة الفلسطينية في التعامل مع الإعلام الأمريكي مشيرا أنها بدأت في العام 1974، هو تاريخ بدأ التواجد الإعلامي الفلسطيني هناك، معتبرا أن العمل الإعلامي في تلك الفترة كان إمتدادا للعمل السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية أي أن الفلسطينيين حملوا رسالتهم في حينه إلى التجمعات الفلسطينية وقاموا بتعبتها ومطالبتها بالتحرك وفقا للظروف السياسية.
وأضاف أن العمل الإعلامي واجه صعوبة كبيرة في مسألة بنيوية وهي تعامل الفلسطنيني مع الأمريكي على أساس أنهم فلسطينيون موجودن في الولايات المتحدة بينما يجب عليهم أن يتعاملوا كما يتعامل اللوبي اليهود على أنهم أمريكان من أصل يهودي.
وعقد عبد الرحمن مقارنة بين العمل الدبلوماسي الفلسطيني والإسرائيلي، مشيرا أن هناك 600 دبلوماسي أمريكي ينتشرون في مختلف أنحاء الولايات ويحاولون أن يصلوا إلى الصحفين ويقدموا لهم رسالتهم الإعلامية بينما لا يوجد في كافة أرجاء الولايات المتحدة سوى دبلوماسيين فلسطينيين، إضافة إلى الباحثين الإسرائليين والكتب التي تصدر لدعم إسرائيل حول الشرق الأوسط والتي تفتقر إلى الوجود العربي.
ولخص كلمته في وجود نقص في أدوات نقل الرسالة وفي الميزانيات المخصصة والأليات التي يجب أن يجري التعامل بها في الولايات المتحدة الأمريكية.