إن صح ما تسرب من أنباء عن تغليظ العقوبات المالية في مشروع قانون المطبوعات الجديد، في مقابل الغاء عقوبة حبس الصحفي، فهذه “بشرى” سوداء لا تضيف شيئاً جدياً لاجواء الحريات الصحفية في الأردن، إنما يمكن أن ينظر إليها على أنها التفاف غير موفق على المطالبات المريرة والملحة لاخراج قانون مطبوعات “لا مضبوعات وعقوبات” عصري يتفق مع اطروحة الاصلاح السياسي والتنمية السياسية، ويحاول رسم صورة الأردن الجديد التي نتتوق جميعاً للوصول إليها!
حسب ما تناهى إلى أسماعنا، فثمة عقوبات مالية “دسمة” تنتظر من يخرج على نصوص القانون، وسيتمنى الصحفي المبتلى بالعقوبة المالية أن يأخذوه إلى السجن، بدلاً من أن يبيع ما تحته وما فوقه، إن وجد، ولربما يبدأ هو ومن يهتم بالشأن الصحفي بحملة عرمرية للمطالبة بعودة السجن، كأمنية صعبة التحقق، متمثلا قول الشاعر العربي:
كفى بك داء أن ترى الموت شافياً / وحسب المنايا أن يكن أمانيا
قال لي مسؤول كبير حين شكوت له سوء التوجه الحكومي بهذا الشأن: ما البديل؟ وكيف نضبط المتجاوزين على القانون؟! فقلت أن ثمة مليون طريقة لاحتواء الصحفي، ولجمه عن أن يتعدى على الحقيقة، ولكن قبل أي شيء يجب أن يتوفر له مصدر معلومات، يقطع عليه طريق البحث عن الاشاعة والتقول، وأن لا توصد في وجهه أبواب الوصول إلى الحقيقة، وأن تعامل صحيفته بعدالة في مسألة الإعلانات والاستراكات، كي لا يضطر لركوب مراكب الابتزاز والضغط غير المسؤول، والأهم من ذلك كله، أن تتوقف بعض الجهات الرسمية، عن استعمال مسرب الصحافة الاسبوعية كوسيلة لتصفية حساباتها بين بعضها البعض، عن طريق تسريب المعلومات والأضاليل، وفوق هذا وذاك، أن تلجأ الجهة المتضررة إلى الحوار والتحكيم مع الصحفي، قبل أن تهرع إلى المحكمة، وهذا لا يتم إلا بتفعيل المجلس الأعلى للإعلام بحيث يكون هو صاحب القرار في الفصل بين المتخاصمين، فإن فشل فالقضاء هو الفيصل، وعلى كل الأحوال، يتعين على جميع المتورطين في العملية الإعلامية مسؤولين ومتعاطين للمهنة وجمهوراً، أن يدركو أنه لا يمكن أن تترسخ تقاليد المهنة الصحفية بالعقوبات المغلظة، والإرهاب الفكري، بل بمقارعة الحجة بالحجة، والكلمة بالكلمة، والخبر بالخبر، والقلم بالقلم!!
الصحفي ليس فوق القانون، لكن إن لم تتوفر له حماية كافية، فسيشعر أنه مكبل اليدين، ولن يستطيع أن يقوم بدور “كلب حراسة” الأمين، الساهر على مراقبة اللصوص والمارقين والمتسللين إلى حرمات الوطن، وحيث أننا في مرحلة “الحصانة الحضارية” فلا يمكن لنا أن نجتزها بسلام دون أن نرفق ببعضنا البعض، خاصة وأن الغالبية الساحقة من قضايا المطبوعات انتهت إلى البراءة وعدم المسؤولية، مما يعني أن ما اصطلح على تسميته “جرائم” مطبوعات لم تكن أكثر من اتهامات لم تصل حد التجريم قضائياً، وهذا يدل على سعة صدر القضاء وتفهمه للمهنة الصحفية، وبراءة طوية” الاظناء” الذين عوقب بعضهم بالتوقيف، قبل النظر في الدعاوى، ومثلما أساءت عقوبة التوقيف لسمعة البلد، سيكون لتغليظ العقوبات مالياً نفس الدور في الإساءة، دون أن تفلح في لجم الصحافة عن أخطائها!!