حين قرأت "نعي" اسبوعية "الهلال" في صحف الخميس الماضي، حملتني اكف الوفاء والعرفان على الاتصال باخي الاستاذ احمد سلامة، ربان "الهلال"، مستفسراً عن اسباب هذا الغياب والاحتجاب، وملتزماً بواجب النصرة والمساندة، ليس لاعتبارات مهنية ورفاقية فقط، ولكن لدواعٍ ومبررات اخلاقية ايضاً·· وتلك حكاية تستحق الآن، وليس في اي وقت سابق او لاحق، ان تروى·· حين تم اعتقالي فور وصولي مطار الملكة علياء، قادماً مع زوجتي المريضة من نيويورك، ذات مساء من ايام ايار الاسود في عهد حكومة فيصل الفايز، وجرى نقلي مباشرة الى سجن الجويدة، وترك زوجتي تعود الى المنزل وحيدة الا من حقائبنا الثقيلة، ثم تم سحب امتياز "المجد" وتعطيلها لاكثر من شهرين·· تطوع نفر عزيز من شرفاء المجلس الاعلى للاعلام، ونقابة الصحفيين، والاسرة الصحفية، والهيئات الشعبية والوطنية، للوقوف الى جانبي وجانب "المجد"، والضغط على الحكومة وتوابعها للافراج عن كلينا· غير ان ما فاجأني حقاً، واثار عجبي واعجابي معاً، هو موقف الزميل العزيز احمد سلامة الذي استل عزمه وقلمه لنصرة "المجد"، وافرد من صفحات "الهلال" الغراء صفحة كاملة لمقال كتبه مشيداً بشخصي الضعيف، ومؤكداً على حقي في النقد والمعارضة، ومشدداً على ضرورة اطلاق سراحي وسراح "المجد" دون ابطاء· كانت المفاجأة اكبر من قدرتي على تحليلها وتعليلها·· اذ ليس بيني وبين "ابو رفعت" اية ارضية سياسية مشتركة، او اية صداقة او علاقة اجتماعية مميزة·· فلماذا اندفع هذا الزميل الكريم في المؤازرة والاسناد الى هذا الحد المدهش ؟؟ حين التقينا فيما بعد، شكرته على موقفه المفاجئ والشجاع، وسألته مازحاً عن الدواعي والاسباب، وسمعت منه حديثاً طيباً حملني على الاعتقاد باننا كثيراً ما نظلم الاخرين حين نحكم عليهم غيابياً، ودون معرفة معقولة بحقيقة مشاعرهم ودخائلهم·· ولكن تلك قصة اخرى، انما المهم ان هذا الزميل الكريم قد قذف الكرة في مرمى "المجد"، واضحى صاحب الفضل في السبق الى النصرة، والمبادرة الى المعروف، والتطوع للمؤازرة والدعم· وهكذا علّق الزميل "ابو رفعت" في اعناقنا دَيناً كبيراً، وترك لنا تقدير حجم الوفاء·
وعليه·· وحين دارت الدائرة على هذا الزميل الغالي و"هلاله"، تحرك في خاطري واجب الوفاء، وسداد الدين، ومجازاة الاحسان بالاحسان، ومقابلة النصرة بالنصرة او اكثر، فكان ان هاتفته مستفسراً ومناصراً ومستعداً لكل الوان المجازفة، فمادام هو قد وجد الشجاعة الكافية لمساندتي في محنتي عام 2004، فلا اظنني اقل منه شجاعة في دعمه ومؤازرته في كربته التي ارجو ألا تطول· اتفقنا على ان يكتب مقالاً يودع فيه "الهلال" على صفحات "المجد"، وافسحنا له زاوية "تقدير موقف" التي نعتبرها اهم اركان هذا المنبر، وقد كتب "ابو رفعت" مقالاً مؤثراً ومطولاً يقطر حزناً ولوعة، ولكنه ينبض بالاباء وعزة النفس· ظهر امس الاول – السبت، وبعد ان كان المقال قد احتل موقعه على صفحة "المجد" الاولى، جاءني الزميل "ابو رفعت" راجياً سحب مقاله، بعد ان انقلبت الدنيا خلال ساعات ما بعد ظهر الخميس الماضي، وصبيحة السبت·· وهكذا كان، فقد تركنا للاخ "ابو رفعت" سحب حروفه، ولكننا استمحناه عذراً في رواية ما حدث· ردّ الله غربة "الهلال"، وفرّج كربة ربانها المكلوم والمظلوم·· انه سميع مجيب الدعوات·