لم يكن التحذير الذي أطلقه التونسي منصف المرزوقي مبالغا فيه. فقد حذر هذا الحقوقي البارز من أن استمرار المضايقات التي تتعرض لها السلطة الرابعة في بلاده، تهدد بانقراض الصحافيين، الذين يتوزع قسم بارز منهم ما بين السجن والمهجر، فيما يلوذ كثيرون بالصمت. فممارسات من نوع سجن صحافيين أو منعهم من السفر أو حجب مواقع الكترونية أو التعرض لمضايقات من قِبل عناصر أمنية متخفية بملابس مدنية، والضرب والتضييق بكافة أشكاله على عمل إعلاميين وصحافيين مستقلين، باتت تشكل تهديداًَ فعلياً أمام قيام صحافة حرة مستقلة في بلد متمايز كتونس. وليس عابراً أن تصنف منظمة من طراز "مراسلون بلا حدود"، الرئيس التونسي على رأس قائمة أعداء الصحافة.
آخر الممارسات التي تواجه بها الصحافة التونسية، ما تعرض له الصحافي سليم بوخذير، الذي حوكم بالسجن لمدة عام بعدما دانته محكمة محلية بثلاث تهم من بينها «الاعتداء على الأخلاق الحميدة» !. التهمة هي كعادة مثل هذا النوع من التهم المبهمة والعامة تستبطن منعاً لكثير من النشاطات والممارسات، وهي تأتي رداً على سلسلة تحقيقات أجراها بوخذير تناولت أوضاعا اجتماعية وسياسية عامة في تونس. وقد ترجم الرد على تحقيقات بوخذير بفصله من عمله في صحيفة «الشروق»، وسحله من قِبل رجال الأمن أثناء توجهه لحضور مؤتمر لإحدى الهيئات المهنية بحقوق الانسان، وأخيراً سجنه في ظروف سيئة، خصوصاً بعدما ذكرت محاميته أنه سجن في مرحاض!. لا شك أن واقعة من نوع ما أصاب هذا الصحافي التونسي، ووقائع كثيرة لا حصر لها تدفع إلى مزيد من التفكر في أوضاع المنطقة العربية بكافة نواحيها السياسية والاجتماعية، وهي تدفع دوماً للتساؤل عن أهلية كثير من الدول العربية للتدرج نحو الديمقراطية!. فحين تتم مقارنة مجموعة من الدول من حيث حيويتها السياسية والاجتماعية، تستحضر دول كلبنان ومصر وتونس.
ففي تونس قدر لا يمكن تجاهله من الحداثة والتماسك الاجتماعي الذي تفتقد إليه دول مثل لبنان والعراق. وتونس لا تزال تتمسك بتقاليد علمانية وحريات اجتماعية منذ عهد الحبيب بورقيبة، هذا عدا عن حيوية الاقتصاد التونسي الذي سجّل معدلات مهمة مقارنة مع دول عربية عدة. لكن المشكلة هي أن النمو الاقتصادي الذي سجلته تونس أتى مترافقاً مع تراجع فادح في حرية التعبير.
فتونس قد تعجز عن التصدي لمهمة التحول إلى نموذج ديمقراطي ما لم تباشر الفكاك من كونها سلطة أمنية قامعة لتصبح دولة سياسية فعلية تقوم على تعزيز الحريات العامة والصحافية.
مهمة من هذا النوع قد تجعل الانتقال إلى الديمقراطية إذا ما كتب لها النجاح، موضع تطلع لعديد من الدول التي لا تزال أسيرة الأمن وسلطته.
[email protected] asharqalawsat.com