من أبرز التحديات التي تواجه الإعلام العربي عملية التأقلم مع المتغيرات
الحديثة في ظل العولمة وعصر الانفتاح وتكنولوجيا الاتصالات أصبح ضرورة ملحّة؛ على
أن أهم معضلة تقف عائقا في ظل إطلاق العنان للحرية الإعلامية أنه إعلام تعود
ملكيته للقطاع الحكومي، وهذا النمط من الملكية سائد في معظم أرجاء الوطن العربي،
خاصة أن عملية منح تراخيص لمؤسسات إعلامية تخضع لكثير من المعيقات من خلال إصدار
قوانين تجعل من عملية امتلاك القطاع الخاص لوسائل الإعلام عملية صعبة المنال. مراعاة
أن الحكومة تضع يدها بشكل مباشر على نوعية المضامين الإعلامية لا بل قد يتعدى
الأمر إلى نوعية القائمين على إدارة المؤسسات الإعلامية بشتى أنواعها.
على أن هناك تحدياً آخر يواجه الإعلام العربي وهو المركزية المطلقة في
الأنشطة الإعلامية؛ حيث نجد أن معظم الأنشطة الإعلامية والتغطية الشاملة تتركز في
العواصم أو المدن الكبرى. ولا يعني هذا أن بقية المناطق مهملة بالكامل لكنها لا
تخضع بالطبع بذات الدرجة التي تحظى بها العواصم والمدن الكبرى.
كما أن التغطية الإعلامية للأحداث تضع نصب عينها أن الإعلام ما هو إلا
وسيلة؛ لتثبيت دعائم الحكم وتمرير الخطاب السياسي متجاهلة بذلك الرأي العام حول
أمر أو قضية ما، ونادرا ما نجد من البرامج ما يعبر عن هموم الشعب وطموحاته وأحلامه
مما يزيد القناعة يوما بعد يوم أن إعلامنا العربي عموما هو إعلام أحادي الاتجاه،
أي أنه يتدفق من أعلى إلى أسفل وعلى المتلقي أن يخضع للتغطية والرسائل الإعلامية،
الأمر الذي قد يقلل من الإبداع المهني بسبب عدم إعطاء الفرص لأصحاب الاختصاص
لتوظيف مهاراتهم ومعارفهم تحت ظل الحرية وتقليل القوانين المفروضة، فأصبح الإعلامي
مهما كان المجال الذي يعمل به مجرد أداة تستخدم لإطلاق الشعارات والتغنّي بها على
حساب الكثير الكثير من الوقائع التي يود الإعلامي العمل على نشرها وعرضها؛ لأنها
تعبر وتحمل هموم الناس، فأصبحت الرسائل الإعلامية تزداد كمية على حساب النوعية،
كما أنها أصبحت تقدّم بنفس القالب مع تغيير بسيط في الشكل؛ فالمضمون لا يتغير إلا
نادرا الأمر الذي أدى إلى نتيجة مفادها أن الإبداعات تقتل وهي في مهدها فلا أبحاث
في هذا المجال إلا ما ندر، أضف إلى ذلك انعدام الرؤى المستقبلية للسياسات
الإعلامية والإستراتيجية في هذا المجال.
والمراقب للفضائيات العربية يجد أن معظمها فضائيات دعائية وكلها تقريبا شكل
لا مضمون، وإذا ما وجدنا فضائيات على مستوى أرفع نجدها في برامجها تدور في دائرة
التمجيد للحكام والرؤساء. على حساب البرامج ذات النوعية البناءة، ونحن في هذا
الصدد لا يحق لنا أن نصدر الأحكام جزافا، فقد نجد أحيانا ما يستحق المشاهدة لكن
هذا نزر قليل من بين المئات من البرامج التي لا تستحق المشاهدة وإضاعة الوقت
لمشاهدتها.
على أن هناك تحدياً لا يمكن التغاضي عنه وهو غياب مفهوم المجتمع المدني،
وضعف مؤسساته الأمر الذي يزيد من تمسك الحكومات بالسيطرة على الإعلام بصفة رسمية
بحجة الحفاظ على قيم المجتمعات، والحفاظ على الأمن السياسي على أن أبرز تحدٍ يكاد
يواجه الفضائيات العربية بصفتها من أكثر وسائل الإعلام تأثيرا في العقول، هو حماية
المتلقي العربي من خطورة التدفقات الإعلامية، خاصة وأن الفضائيات الغربية تبث
برامج تخدم مصالح القوى الفاعلة، وعلى العالم العربي توظيف هذه الفضائيات لتكون
وسيلة دفاع عن الثقافة العربية والهوية والحضارة من التشويه والتبديل، خاصة في ظل
الغزو الفكري الذي أصبح يشكل الشخصية العربية شيئا فشيئا من منظور غربي خاصة في ظل
عدم وعي الكثير من المشاهدين والمتلقين لخطورة هذا البث الوافد سميا أنه يقدم
بقوالب جذابة يتعلق بها المشاهد العربي بطريقة تجعل من مقاطعة البث والإعلام
الوافد عملية ضربا من المستحيل.