ما زال كثير من الدول العربية لا يدرك قيمة أن يملك إعلاما قويا "حرا" ، ومثله الجامعة العربية التي أنشأت اتحاد الإذاعات العربية ونشرة عربسات المصورة ، وكلاهما اكتفى بنقل رسائل الدول التي تبثها ونشاط الحكام وبعض الأفلام التسجيلية التي لم تترك أثرا رغم اجتماعات وزراء الإعلام العرب وتكدس الجامعة بموظفين خبرتهم توقفت عند إعلام رسمي رقيبه الداخلي أكثر سطوة من أي رقيب آخر. ولم يستطع إعلام الجامعة الهزيل أن يؤثر في الحياة السياسية أو لم الشمل أو حتى التبادل الإخباري الحقيقي فيكون رافدا أو بديلا عن وكالات الأنباء العالمية المصورة.
وظهر الإعلام الخاص فاعتمد على المراسلين في أنحاء العالم فقلب مفهوم الإعلام العربي ، ولكنه ما زال يخاطب العرب ، ولم تستطع أية قناة عربية تبث بالإنجليزية أن تتعدى نطاق الجاليات العربية في الغرب واهتمام الدوائر السياسية الغربية للاطلاع على ما يدور عند العرب.
ورغم بروز دور الإعلام الخاص في الحياة العربية شعبيا ورسميا ، إلا أنه فشل في تقديم صورة العرب أو قضاياهم للغرب ، ولهذا تأسطرت قضية الهولوكوست وما زالت تتجدد في حين فشل الإعلام العربي في كسب تأييد لأية قضية عربية وآخرها الحرب على غزة.
لقد فشلت الدبلوماسية العربية كما الإعلام العام والخاص في كسب التأييد للعرب ، ومثله جامعة الدول العربية ، فقد ظل مندوبها ينسحب مع ممثلي الدول العربية في كل المنظمات والمؤتمرات الدولية حين يبدأ مندوب إسرائيل في الحديث والكذب واستعطاف العالم ، ويتركون مندوب إسرائيل يقول ما يشاء بينما يخرجون في حركة مسرحية فتهلل شعوبهم لمقاطعة اسرائيل. "طيب يا سيدي خليك في الجلسة واسمع ما يقوله عدوك ، ورد عليه دون أن توجه له كلاما ولا تسلم عليه ولا تلتفت إلى بوزه. لكن على الأقل أن تعرف أكاذيبه".
لقد خسر العرب بمواقف النزق بأنهم يرفضون الآخر رفضا عاطفيا ودون شرح ، بينما الآخر يستعطف ويتباكى ويشرح من خلال إعلام يتطور ، وملكوه بدءا من الصحافة المكتوبة وحتى الأكترونية مرورا بالتلفزيون والسينما والمسرح.
ويرجع كثيرون قوة اليهود في الغرب إلى قدرتهم الاقتصادية ، وهو صحيح ، ولكنهم استثمروا في بناء إعلام مؤثر فكسبوا الثروة والنفوذ ، وامتلك العرب ثروات البترول التي كان يمكن أن تقلب المعادلة على الساحة العالمية ، ولكن التناحر العربي أضاع الفرص وانقلبت الثروة إلى نقمة في التناحر المضحك المبكي بين الزعماء العرب في عروض القمم العربية.
الإعلام عقل ورؤية وليس مالا فقط ، ولهذا عجز حتى الإعلام العربي الخاص عن إحداث تغيير في الغرب ، فالشارع الغربي يعرف أسماء محطات عربية مؤثرة في محيطها ، إلا انها لا تعني له الكثير ، فالجزيرة مثلا للغرب كما هي للعرب ، محطة إشكالية ومثيرة للجدل ، وتتهم بأنها تدس السم في العسل. ولكن لا يمكن للجزيرة أو أية محطة أخرى ان تدعي أنها أحدثت تأثيرا في الغرب على مستوى الأفراد ، وأن تأثيرها يتجاوز رصد السياسيين الغربيين لما تقدم. ورغم هذا فشل معارضو الجزيرة عن الإتيان بمثلها. وكان يمكن لبعض المحطات الإخبارية الأخرى أن تنافسها لو نأت بنفسها عن التبني المباشر لسياسات مؤسسيها فأضاعت كثيرا من مصداقيتها بعد أن بدأت مبشرة.
لقد أضحت الجزيرة قوة ضاغطة في الوسط العربي رغم الاختلاف عليها فاضطر رئيس مجلس الأعيان للرد عليها من خلالها ، ورغم أن الرد حق للأردن وفي نفس المكان والمساحة إلا أن الأردن ما كان يضطر لتلك التسوية لو ملك إعلاما مؤثرا رسميا أو خاصا.
وينطبق ما تعرض له الأردن على كثير من مسائل الخلاف بين الجزيرة وقطر ودول عربية أخرى ، ربما لم تشأ أن ترد من خلال المحطة الإشكالية فتفاقم الخلاف صامتا أو معلنا.
ويبقى أن العرب في عصر الإعلام والاتصال ما زالوا يخاطبون أنفسهم في إعلامهم الرسمي والخاص ، ولم يتجاوز دور أي منهما عن فضح أنفسهم مما يؤجج الخلاف ويزيد انقسام المنقسم، بينما عين الدعاية اليهودية على عالم غربي تشبع بدعايتهم فلا يكتفون ، بل يضخون المزيد. وهو فرق كبير في الرؤية لدور الإعلام والعقل الذي يديره.