من يتبنى هذا الطرح يفصل بين مرحلتين، مرحلة ما قبل النفط ومرحلة الطفرة النفطية الهائلة التي أحدثت إنقلاباً وتغييراً جوهريين في المنطقة.
فيما يعتقد إبراهيم بشمي رئيس تحرير صحيفة "الوقت" بالبحرين أن الموجة الثانية في تاريخ الصحافة لم تستطع أن تكون أداة للتعبير عن المتغيرات الاقتصادية في تلك الحقبة وما تلاها ولم تتحفز الصحف لتطوير أدائها المهني! لكن كيف هذا التميز إذن من وجهة النظر هذه؟
يكمن التميز في ثلاثة جوانب والتطور بالتقنيات والاتساع بالتغطيات والاستقطاب الحاصل للصحافيين العرب والأجانب. وهنا ثمة سؤال آخر، هل الصحافة الخليجية هي حقيقة الإبنة الشرعية لدول ومجتمعات الخليج؟ وهل هي خليجية صافية، بمعنى أن الهوية والانتماء شأن خليجي خالص أم ماذا؟ وهل نستطيع القول أن هناك إعلاما خليجيا متميزا له خصائصه وأهدافه أم أن هناك "إعلاما في الخليج جغرافيا ويملكه خليجيون ولكن ليس له من الخليج مكانة وملكيته" على حد تعبير الأستاذ حمد الكواري وزير الإعلام والثقافة القطري السابق في ورقته التي قدمها إلى منتدى التنمية الذي عقد في إمارة دبي بأوائل عام 2007.
السؤال يجيب عليه السيد الكواري نفسه بالقول "لدينا عدد لا بأس به من الأجهزة الإعلامية التي يمكن أن تستحق هذا الوصف – أي خليجي – شكلاً ومضمونا، وبصورة خاصة الصحافة المكتوبة في الدول التي تتمتع فيها هذه الصحافة بقدر كبير من الحرية والشفافية وتتمتع بقوانين مطبوعات حديثة ومتطورة ولديها كوارث بشرية تجعلها تتصف بجدارة بهذه الصفة".
والحديث ما يزال عن الصحافة باعتبارها مرآة لدولها ومجتمعاتها فإذا كان الخليج "ذا طبيعة خاصة" بحكم ظروفه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فإن فكرة "التمايز" وليس "التمييز" عن باقي أقرانه بالمنطقة العربية هي العلامة الفارقة بين التجربتين هذا هو الانطباع السائد الآن.
خلاصة الفكرة "الكوارية" تقول أن هناك إعلاماً في الخليج مكاناً وملكية فقط مع غياب الكوادر والهموم الخليجية عنه. وما هو قائم عبارة عن "إعلام خليجي عربي مشترك غير منعزل الواحد منهما عن الآخر. وأيضاً هذا كلام فيه قولان كما يقول علماء الفقه الإسلامي.
أحيانا كثيرة يجري الخلط بالمفاهيم والنظريات ويترتب على ذلك سريان أفكار تحتاج إلى إعادة قراءة والنظر إليها من جديد.
المسألة الأولى، لم يعد من المقبول عند الحديث عن الصحافة الخليجية أن يتم التعاطي معها بنظرة فوقية متعالية وكأن هذه المجتمعات لا تملك من المقومات الطبيعة في إنتاج الكلمة والصحافة ما يؤهلها لأن تكون لها مكانة على السطح في الشأن الثقافي والصحافي.
المسألة الثانية، لا يجوز أن تتحدث عن الخليج وصحافة الخليج وكأنها منطقة معزولة ومنفصلة عن دائرتها الأشمل والأوسع وهي الدائرة العربية فالتأثر والتأثير قائمان ومستمران وإن اختلفا بالتوجه والمسار، لكن من الصعب أن نضع سواتر وحواجز بين الخليج والمراكز الحضرية العربية كمدن القاهرة وبيروت ودمشق وفلسطين وبغداد على الأقل من ناحية أهل المشرق العربي فقد كان هناك تواصل وانخراط وهجرات متبادلة قبل النفط وبعده وبالاتجاهين معاً.
المسألة الثالثة. هناك وفرة مالية من عائدات النفط تركت أثرها على الثقافة والصحافة بالعالم العربي ككل ومن نتائجها إصدار صحف ومؤسسات إعلامية ضخمة شكلت مصدر إغراء مالي للعديد من الصحافيين والكفاءات العربية في هذا المجال وهذا ليس انتقاصاً من الكوادر والكفاءات الخليجية على ندرتها إنما هو اعتراف بالواقع المعاش.
المسألة الرابعة، مهنة الصحافة والإعلام كوظيفة طاردة بطبيعتها للعنصر الخليجي بشكل عام لتدني مداخيلها في الوقت الذي تفتح له الفرص في القطاعات الثانية وتقدم له البدائل المغرية من أجل تسريع تكوين الثروات وما توفره له حكوماته من مجالات الدعم والحماية والعطاءات.
لكن هذه الحالة لا تعمم ففي السنوات العشرين الأخيرة رفدت الجامعات ومراكز التدريب وبعض المؤسسات الصحافية هذا الجسم الصحافي بالعديد من الشباب الخليجي ومن الجنسين للعمل في قطاع الصحافة وبات من الصناعات ذات النمو السريع من حيث الاستثمارات الموظفة فيه ومن حيث الوظائف المهمة التي يؤديها والمنابر التي يستخدمها أصحاب المصالح في القطاع الخاص أو على المستوى الرسمي للحكومات.
المسألة الخامسة؛ لا أحد يتجاهل أن معظم المشاريع الصحافية في المنطقة الخليجية تتقاسمها سلطتان سلطة الحكومات وسلطة أصحاب المال والتجار ولذلك بقيت هذه المؤسسات محكومة بالوظيفة السياسية من جهة وبالعائد المالي من جهة ثانية ولم تنل هذه المشاريع مساحة كافية بالتوجه نحو العمل الثقافي والرسالة الإعلامية وخلق الكوادر الصحافية بأبعادها المهنية، أو تتحول إلى وسيلة للتغيير في الحياة السياسية بشكل عام كمشاريع تنويرية كما هي حال معظم الصحف والدوريات التي صدرت في منطقة الخليج العربي في مرحلة ما قبل ظهور النفط على وجه الخصوص.
المسألة السادسة؛ ثورة الاتصالات والعولمة التي كسرت العديد من الحواجز والسدود بين الكيانات الإقليمية قربت بين الشعوب والمجتمعات، واليوم صار المواطن الكويتي شريكا مباشرا في الدورة الاقتصادية العربية مثلما هو حال المواطن السعودي الذي يدير مشاريع إعلامية ضخمة تضخ وتوزع وتبث في العالم وليس على المستوى العربي فقط وبمهارات وكفاءات لبنانية وخليجية ومغربية ومصرية واردنية لذلك تحولت العديد من المشروعات الإعلامية إلى ما يشبه "الخلطة العابرة للحدود".
ليس فقط على صعيد العنصر البشري بل على صعيد إدارة التقنيات والأجهزة المستخدمة فالغزو الثقافي إن جاز التعبير لم يعد مقصوراً على جهة واحدة، مثل السعودية فقط، بل تجد الصحف المصرية توزع في الأسواق الخليجية صباح كل يوم مع الصحف المحلية وكذلك ترى "الشرق الأوسط" و"الحياة" توزع في شوراع بيروت ومراكش والقاهرة مع الصحف المحلية أيضاً، ناهيك عما توفره وسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت وغيره من طرق حمل المعارف والميديا.
المسألة السابعة؛ الاستقطاب للعنصر غير الخليجي أمر واقع ليس فقط على مستوى المؤسسات الإعلامية بل في معظم القطاعات وهذا شيء طبيعي نتيجة الوفرة المالية، والحاجة إلى هذه القوى البشرية المدربة وصاحبة الخبرة ولذلك ستجد معظم المؤسسات الصحافية والقنوات التلفزيونية ووكالات الأنباء ووسائل الميديا تستوعب العديد من المواطنين العرب ومن السهل أن تدخل أي مؤسسة إعلامية أو تلفزيونية في دول مجلس التعاون الخليجي حتى تستعرض الوجوه العربية من تطوان إلى الناقورة لكن في بيئة خليجية أصبحت مفتوحة ومعولمة إلى حد ما.
المسألة الثامنة؛ أدركت دول الخليج أن الإعلام صناعة ومال وليس فقط حرفة مهنية صرفة والتميز هنا أن الصحافة صار فيها تنوع وشمولية وتغطيات لم تواكبها صحف القاهرة وبيروت مثلاُ لعدم قدرتها المالية بالدرجة الأولى ففي الستينيات والسبعينيات تقريباً كان محمد حسنين هيكل نجم الصحافة العربية، "بصراحته" يوم الجمعة وكذلك ميشال أو جوده "بالنهار" وسليم اللوزي في "الحوادث" أما اليوم وفي مرحلة الثمانينيات والسبعينيات أصبحت جرعة السياسية أقل ووزعت الصحف اهتماماتها على الجوانب الصحية والاجتماعية والمرأة وغيرها من الموضوعات الحياتية والحيوية بسبب توفر المال والقدرة الشرائية للقراء بشكل عام في المنطقة. فقد نجحت العديد من المؤسسات الصحافية الخليجية وبرموزها بأن تحل محل القيادات المؤسسة للصحافة العربية وهناك قائمة طويلة من الأسماء اللامعة والجذابة والمؤثرة في الرأي العام الخليجي والعربي.