شدد متحدثون في اليوم الأول من أعمال المنتدى العالمي لتطوير الإعلام أمس على أهمية استقلالية الإعلام وتفعيل دور القطاع الخاص في الاستثمار الإعلامي، وحق الصحافي في الحصول على المعلومة ونشر والحقيقة، وصولا إلى الحاكمية الرشيدة والتنمية الاقتصادية والسياسية، إذ أن الانفتاح الاقتصادي يسير جنبا إلى جنب مع مثيله الإعلامي.
وتمنى مشاركون أن تجد توصيات المنتدى “أذنا صاغية لا درج مكتب يحتضنها دون تطبيق خاصة في بلدان الشرق الأوسط”.
وألقى نائب رئيس الوزراء الدكتور مروان المعشر كلمة مندوبا عن جلالة الملك عبدالله الثاني وقال فيها إن لجنة الأجندة الوطنية توشك على إنهاء وضع أولويات الإصلاح للعشر سنوات المقبلة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ورغم اعترافه بعدم “كفاية” الخطوات الأردنية في مجال تطوير الإعلام المحلي، شدد المعشر أمام مشاركين فاق عددهم 600 إعلامي يمثلون 180 منظمة من 104 دول، على أن الأردن ساهم في تطوير الإعلام وتنميته للوصول إلى إعلام مستقل حقيقي في الدولة.
وكشف المعشر أن الاردن في طريقه لـ”إنشاء إطار قانوني تشريعي حديث يمكن الإعلام من الانتعاش”، مؤكدا أن “الأردن يؤمن بأن التنوع يعد مصدرا للقوة وليس للضعف، وأن انتقاد المواطن للدولة صار مقبولا”.
واعترف أن المسؤول العربي لا زال “غير قادر” على التأقلم مع الصحافة، إلا أنه رفض “اغتيال الشخصية” الممارس من وسائل إعلام، في مقابل إدراكه أن “نقد السياسات الحكومية ضروري”.
واعتبر المعشر أن المنتدى يعبر عن أهمية دور الإعلام الدقيق والمتوازن في التنمية، في ظل العولمة وهجرة المعلومات عبر الحدود، وتمازج الحضارات والثقافات.
وتحدث المعشر عما عده “تطورا” في الإعلام الأردني وعلى طريق تحريره كإلغاء وزارة الاعلام قبل عامين، ومسودات قوانين يناقشها البرلمان حاليا تتعلق بتأسيس مجلس مستقل للإذاعة والتلفزيون، إضافة إلى تحرير الأثير الأردني والسماح بتشغيل محطات اذاعية وتلفزيونية خاصة.
وأشار نائب رئيس الوزراء إلى جهود لجنة الأجندة الوطنية في تبني مقاييس لتعزيز الاستقلالية في الإعلام المحلي، من خلال اقتراح مظلة لقانون إعلامي تعمق استقلالية الإعلام، لافتا إلى التركيز على حق الصحافيين في نشر المقالات والمعلومات مع وجود قانون يحمي الحريات الشخصية، وتحويل الصراعات الإعلامية الحكومية إلى المنظومة القضائية، والحؤول دون التدخل الحكومي في إغلاق أي مؤسسة إعلامية أو ايقافها عن العمل.
وبدا رئيس شبكة انترنيوز في الولايات المتحدة الامريكية دافيد هوفمان متفائلا عند الحديث عن تجربة الأردن باعتبار أن “لديه فرصة كبيرة كبلد ينمو ويتطور اقتصاديا، لأخذ مبادرة القيادة في الإصلاحات الإعلامية في المنطقة”.
وبين أن تطوير الإعلام “جهد تراكمي” تقوم به المنظمات المعنية حول العالم، مشددا على “أهمية الإعلام كقوة إصلاحية في أي مجتمع”.
واستعرض مدير أجندة حقوق الإعلام في نيجيريا ايديتان أوجو مشاكل فساد الحكم والفقر “المدقع” والصراعات الطائفية، معولا على الاتحاد الإفريقي للقيام بإصلاحات من شانها التغلب على بعض المشاكل الإفريقية.
وناشد أوجو المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المعنية بتطوير الإعلام الالتفات إلى إفريقيا ومساعدتها في تطوير إعلامها.
وضرب عضو اللجنة التوجيهية للمنتدى روبي الماباي أمثلة على أهمية تطوير الإعلام، مثل اعصار تسونامي نهاية العام الماضي 2004، ومساهمة الإعلام في التخفيف من وطأة مضاعفات تلك الكارثة في حماية الأرواح وإرشاد الناس.
واعتبر رئيس منظمة جبرييل ماركوز في كولومبيا جايم أبيلو بانفاي المؤتمر “فرصة سانحة للقاء الصحافيين لكسر العزلة التي تعاني منها دول أمريكا اللاتينية، وأفقا واسعا لتدارس أوضاع الإعلام في البلدان المشاركة في المنتدى”.
وأعرب مدير عام المركز الأردني للإعلام باسل الطراونة عن أمله في أن يفرز المنتدى توصيات تثري مسيرة الاعلام في بلدان العالم، وصولا إلى إعلام متطور يخدم البشرية.
وبين أن الاردن يعد “مسرحا قريبا من أكثر بؤر العالم توترا على بوابتيه الشرقية والغربية، في ظل تسارع الأحداث في العراق وفلسطين، مؤكدا سعي إعلاميي الأردن نحو إعلام حر مسؤول يعمل بحرية حدودها السماء لكي تستطيع كشف مواطن الخلل.
وقال ناشر صحيفة “الغد” محمد عليان إن حرية الاعلام “أهم اعمدة التطوير لأي مجتمع مدني ودافع من دوافع التغيير”، معبرا عن إيمانه بأن الإعلام الحر “حق لا امتياز”.
وبين ان الاجندة الوطنية تسعى لتطوير “مجتمع منفتح ومتسامح وعصري ومجتمع يحترم التنوع والاختلاف”، مشيرا إلى أن جلالة الملك عبدالله الثاني أعاد التأكيد خلال المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في البحر الميت في أيار (مايو) الماضي على رؤيته لقطاع اعلامي مستقل محترف، وضرورة الالتزام بترسيخ الدعائم لإعلام مستقل وذي مصداقية في الاردن.
وقال عليان إن الشرق الاوسط يمر بتحولات كبيرة وعلى الإعلام مواكبة هذا التحول بما يساعد على تسريع وتيرة الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في المنطقة وقد اتخذ الاردن “خطوات ايجابية” من شأنها خلق بيئة اعلامية “محترفة” طالت التشريعات اضافة الى وقف الرقابة الحكومية المباشرة.
ورأى عليان أن العقبة الرئيسة في وجه التغيير تكمن في “عقول لا زالت مكبلة” ضمن حدود رسمتها سياسات في حقب ماضية، داعيا أرباب العمل الصحافي لـ”التعلم والتطور وتحرير العقول من الرقابة الداخلية للتقدم إلى الأمام”.
وتحدث عن النقلة النوعية في الاعلام التي احدثها اصدار جريدة الغد في آب (أغسطس) العام 2004، مؤملا بما ستفجره قناة A.TV المتوقع افتتاحها ربيع العام 2006 المقبل.
وفي إطار الجلسة الأولى للمنتدى التي تناولت بناء الحالة لتطوير الإعلام، ركز وكيل الأمم المتحدة للاتصال والإعلام شاشي تارور على أهمية الاتصال والمعلومة والتواصل وبناء المجتمعات المستمرة لصناعة الإعلام والنهوض به، مفيدا بأن هناك 72 صحافيا تركوا أهلهم من أجل الحصول على المعلومة في العراق، ودفع عدد منهم حياته ثمنا لها.
وأكد تارور ضرورة المعلومة لصناعة الاعلام، إضافة إلى استقلالية الإعلام لتحقيق التنمية على جميع أصعدتها، مشيرا إلى فكرة الترابط بين الإعلام والحكومة وإمكانية إحلال الإعلام محل الحكومة، وعدم معاقبة الصحافي لنشره الحقيقة.
وشدد على أن الإعلام الحر يجب أن يتماشى مع حاكمية رشيدة وديمقراطية وخاصة إذا نظرنا إلى الأولويات والموارد.
كما أكد مدير البرامج في مؤسسة البنك الدولي دانييل كوفمان على أهمية حرية الإعلام ومحاربة الفساد في التنمية، لافتا إلى أهمية توفر حرية التعبير والإعلام في خلق بيئة من الحاكمية السياسية والاقتصادية.
وقال كوفمان بضرورة تطوير دور صناعة الإعلام من قبل القطاع الخاص واستبدال ملكية الدولة بالملكية المحلية، بما يفيد في تعزيز مفاهيم الحاكمية، مشددا على أهمية وضع سياسة للإصلاح الاقتصادي وربطها بتطور الإعلام وإزالة القيود وربطها مع الإصلاحات الاقتصادية.
وذكر أن إشاعة حرية التعبير تتطلب إيجاد بيئة تشريعية محفزة للحريات الصحافية بما ينعكس إيجابا على مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وركزت الجلسة الثانية التي اتخذت من الإعلام والتنمية عنوانا لها على جدوى الإعلام في تحقيق اهداف الألفية التنموية، ومعالجة المشاكل البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها دول العالم.
ونادى المشاركون في الجلسة الى “خصخصة الإعلام دون الانسياق وراء الأهداف الربحية وتناسي الأهداف المجتمعية التي يجب على الإعلام الحر تحقيقها”.
وقالوا بجدوى الإعلام المجتمعي في تحقيق أهداف الألفية، وتسريع الإصلاحات السياسية، مطالبيتن بإيجاد بيئة تشريعية محفزة لقيام الإعلام المجتمعي.
وتعقد اليوم الاحد جلسة لمناقشة الإعلام وتطوره ومعيقات حرياته في الأردن، إذ ستقدم ثماني أوراق عمل من الكاتب الصحافي عريب الرنتاوي ورئيس تحرير جريدة الانباط رولا الفرا ونائب رئيس الوزراء مروان المعشر ومدير المركز الاردني للإعلام باسل الطراونة ونقيب الصحافيين طارق المومني ورئيس هيئة الاعلام المرئي والمسموع حسين بني هاني والصحافية رنا صباغ وعميد كلية الحقوق في جامعة اليرموك محمد علوان.
وسيتطرق المنتدى خلال اليومين القادمين إلى عدد من المحاور منها مدى تأثير الإعلام على تسريع الإصلاحات السياسية، كيفية الحد من الصراعات وإعادة الإعمار والتعامل مع الأزمات وتجارب عدد من الدول في هذا المجال، فضلا عن العلاقة بين النمو الاقتصادي والتطوير الإعلامي وأوضاع ما بعد الصراعات والأزمات، وعلاقة المجتمع المدني مع مؤسسات الإعلام غير الربحية والصحافة البيئية والصحية ودورها في الحد من ظاهرة الفقر.
ويذكر أن المنتدى العالمي لتطوير قطاع الإعلام ينظم من قبل المركز الأردني للإعلام وانترنيوز وثماني عشرة منظمة عالمية تعنى بقضايا تطوير الإعلام.