لا شك أننا جميعاً في شك وريب من بعض وإن لم يكن كل القنوات التي بدرت في سماء الإعلام العربي دفعة واحدة بلا مقدمات سوى المقدمة الوحيدة الملحوظة وهي الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان.
بدت القنوات الفضائية في الانتشار بصورة تدريجية في المراحل الأولى ثم أصبحت سماء العرب غنية بقنواتها المسيئة للعرب والعروبة بأيدي عربية وألسنة تتكلم بلغتنا ولكنها حتماً لا تعبر عن أحد سوى نفسها.. وهذا لا يضر.. ولكن ما يضر هو أن تخدم المشروع الصهيوني علناً.. وبغير العلن.
قد لا يخفى على الكثير منا أن أصعب الضربات للشخص لا تأتي من العدو.. بل ما تأتي من الأخ.. فضربة العدو متوقعة والإنسان العاقل يجهز نفسه ويعد العدة لتلقي هذه الضربة في أي وقت.. فحتى ما إذا جاءت مفاجأة فهو بالقريب كان يتوقعها.. ويبقى ألمها مقتصر على طوال الوجع الذي قد لا يدم طويلاً في حالة إذ ما كان لكل فعل رد فعل..
أما إذا جاءت من القريب منك.. فهو ما لا تتوقعه فيأتيك في مقتل.. لأن جوارحك كلها مفتوحة له..
وإذا كنا نتكلم عن الإعلام بصفة عامة.. فيجب أن نعرف أن أسمه في حد ذاته يدل على "توصيل معلومة" للشعب أو للأشخاص.. وما هو معمول به في الإعلام منذ فترات طويلة ليس بإعلام وطني أي بمعنى أنه لا يحادث المواطنين بقدر ما يحدث البلاد الأخرى فينقل له الصورة التي يريد الآخر أن يراه عليها (وهذا في زمن الإعلام الحكومي) الذي اضمحل وبدء في الزوال.. وهذا الإعلام له حسناته وله سيئاته.. فالعالم بأمور السياسة يدرك أن ما تبثه القنوات الإعلامية ليس له.. ولكن الغير عالم وهي الشريحة الكبرى في المجتمع يأخذها وكأنها منزلة من السماء فيصدقها كتصديقه بعقيدته.. حتى إذ ما فتحت السماء للإعلام المعادي فأظهر عكس الإتجاه بحقائق ملموسة فأيقن المتلقي العربي مدى زيف أعلامه وتقصيره في تقديم المعلومة الحقة له.. فكفر بها.. وبحث له عن منفذ أخر يتلقى منه الأخبار والحقائق.. هذه هي المرحلة الأولى.
والمرحلة التي بعدها بعد أن تلتف الشعوب العربية جمعاء حول قناة اعلامية تعطيه بعض الحقائق يحمل ثقته المركونة والتي سحبها قبلاً من شاشاته التلفزيونية وصحفه الرسمية والحزبية ليلقي بها في اتجاه الإعلام البديل والذي يتمثل في القنوات صاحبة المصداقية.
هنا تبدأ لعبة الاختلال والتغلغل في عقل الشعب العربي.
لتبدأ مرحلة إعداده من جديد وتغيير ثقافته ومعتقداته السياسي والإجتماعية والوطنية..
وهذا المتلقي الذي وضع ثقته في هذه القنوات ربما لم يكن غبياً.. ولكنه من الصعب أن يسحب هذه الثقة حتى لا يرى نفسه غبياً ومضحوك عليه.
ولأن مصادر الأخبار دائما أو في أغلب الأحيان تكون "سرية" فلا يعلم عن مصدرها سوى مظهرها.. أو بالمعنى الأدق "داسسها".
ولا شك وأننا نتكلم عن الإعلام ومصداقيته وكيف تم التلاعب بمصداقية الإعلام العربي الرسمي (الحكومي) فلا بد لنا أن نذكر المثالين اللذين كانا سبباً بطريقة أو بأخرى في تحطيم مصداقية الإعلام العربي ألا وهما أحمد سعيد في مصر أبان الاعتداء الصهيوني عام 1967 على القاهرة والحرب التي لم تكن حرباً والبيانات المغلوطة التي كان يذيعها على الشعب العربي.. ليرى الشعب العربي بعد ذلك أن كل ما قاله أحمد سعيد لا يمت للحقيقة بصلة..
والمثال الحديث هو محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام العراقي السابق والذي من خلال تصريحاته شعر المواطن العربي أن فيالق الجيش العراقي ستنهي أسطورة الجيش الأول في العالم بتحلفاته التي جمعها بوش من جميع أركان العالم.. حتى صدم الجميع يوم سقوط بغداد.
ومن الملاحظ أن الحدثين اللذين أثرا على مصداقية الإعلامي العربي هما "اعتداءان على العرب" أي بمعنى كيفية استخدام الإعلام الصهيوني هذه السقطات الإعلامية العربية لتحويلها لأزمة عربية داخلية وحرب من نوع أخر وهزيمة نفسية يفقد الشعب فيها هويته الإعلامية فلا يجد سواه حتى يذهب الجميع لإعلامه ليتلقى ما يلقيه عليه من أخبار أو معلومات.
فتلقي المعلومة يحتاج لدراسة أكبر وأعمق من المتلقي العادي الذي تعود أن يسمع ويؤمن بما يسمعه.. بل يحتاج لقدرات خاصة في تحليل وتفكيك الخبر أو المعلومة ومراجعتها مع تاريخها وجغرافيتها وإلى أي مدى قد تؤثر سلباً أو إيجاباً على الجميع.
فمعظم الحرائق.. من أصغر الشرر.
وحين اقتنع العدو الصهيوني أن العرب وهنا أشير للشعوب.. لم ولن يتقبلوا مصادره فكان البديل وهي قنوات صهيونية بأسماء عربية.. يقوم عليها أساتذة في التضليل يتحدثون العربية لانتمائهم اللغوي فقط لا غير.. ويقدمون ما لم يستطيعوا هم تقديمه في شكل حوار عربي عربي.. وتبدأ بفضح بعض المخططات التي عفا عليها الزمان حتى يتم تصديقهم.. وتبدأ المعركة الحقيقية بتسفيه القادة السياسيين ببرامج صراع الديوك.. فيرى المواطن العربي من كان يحسبهم المنقذين له من كل تلك المصائب.. يراهم لا هم لهم سوى السب والقذف والدفاع عن أنفسهم.. وتأخذهم العزة بالأثم.. فيجدون أنفسهم بلا قادة حقيقيين.
وتدس أخبار لا يستطيع أحد أن يعلم مصدرها.. فتقدم للشعب العربي "الخلاصة" أن جميع ساستكم "عملاء" وأن جميع قيادتكم "خونة" وأن لا مناص سوى الإعتراف بإسرائيل: هذه هي الأهداف الخفية المعلومة والغير معلنة؛ إيصال المواطن العربي للقناعة بأن حكام الصهيونية أفضل من الحكم العربي، وأن عليهم أن يزيحوا هؤلاء الحكام ويطلبوا من الصهاينة أن يحكموهم طواعية!
وأن كنت ضد ما تفعله القنوات الإعلامية الرسمية من تغييب للمواطن العربي إلا أنني ضد أن نضع ثقتنا في أي جهة أخرى وإن لاحت بأنها صديقة.. فيجب أن نعلم أن ما حك ظهرك مثل ظفرك.. أي بأنه لن تجد من هو أحرص عليك مثل نفسك لا غيرك.
وهنا أقف واعدكم بتكملة المقال في جزء آخر وملاحظاتي الشخصية على أكبر قناتين عربيتين سيطرتا على الشعب العربي.
فللحديث دائماً بقية.