كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن تدريب الصحفيين باعتباره احد اهم التحديات التي تواجهنا لخلق اعلام وطني حر ومؤثر..
وهذا صحيح ولكن تدريب الصحفيين هو جزء من المشكلة ، اما الجزء الاخر فيكمن في الطرف الثاني للمعادلة ، الا وهو المسؤول.
ورغم اهمية دور المسؤول في نقل الرسالة الاعلامية «باعتباره مصدرها في معظم الاحوال» الا اننا لا نسمع احدا يتحدث عن تدريب المسؤول على كيفية التعامل مع وسائل الاعلام.. فالجميع يتحدث عن تدريب الصحفيين وكأن الصحفي هو الطرف الوحيد في معادلة نقل الرسالة الى الناس ، مع ان الواقع يدل على ان دور المسؤول لا يقل اهمية ، بل قد يزيد في بعض الحالات عن دور الصحفي في هذا الامر.
ولا شك ان اعتراف الصحفيين وتسليمهم بانهم بحاجة لتقوية قدراتهم وامكاناتهم باستمرار امر يسجل لهم لا عليهم ، فالدراسات الاعلامية – شأنها في ذلك شأن العلوم والمعارف الحية الاخرى – في حالة تطوير مستمر.
وقد آن الاوان للحديث عن الجانب المسكوت عنه من هذه المعادلة.. فالصحافيون يواجهون في تعاملهم مع المسؤولين انماطا عديدة ممن يسهمون في الحد من العملية الاتصالية .. فهناك المسؤول النزق الذي لا تكاد تذكر اسمه في وسيلة اعلام الا وتراه ينتفض غضبا ملوحا بالويل والثبور وعظائم الامور ، وكثيرا ما يقوم برفع القضايا على الصحف والصحفيين لأتفه الاسباب.. ومع الاحترام لقضائنا العادل ، الا ان الكثير من الصحفيين يفضلون عدم الاقتراب من هذا المسؤول ، لانهم لا يملكون الوقت للدفاع عن حقوقهم امام المحاكم.. والنتيجة هي ان الحقيقة تغيب وينجح المسؤول بعصبيته ونزقه في تحصين نفسه ضد محكمة الرأي العام.
اما النوع الاخر من المسؤولين فهو الذي يحتكر المعلومة ويوصد دونها الابواب ، فكل المعلومات لديه عالية السرية ومصنفة وعلى درجة متقدمة من الحساسية. وهو يضع فريقا من مسؤولي العلاقات العامة ممن يتفننون في التمويه على الصحفيين وابعادهم عن المعلومة الصحيحة ، بدعوى ان كل ما يحدث داخل المؤسسة الرسمية سري للغاية ويجب ان يبقى بعيدا عن الصحفيين.. ما عدا البيان الصحفي «المعلب» الذي يدرس بالحرف والفاصلة قبل تعميمه على وسائل الاعلام.
وهناك المسؤول الذي يعتقد انه «يمون» على الصحافة والصحفيين بالنظر الى العلاقات الشخصية الوثيقة التي تربطه مع بعض الصحفيين. وهو يعتقد ان هذه العلاقة الشخصية القوية يجب ان تجعله فوق النقد والمساءلة.
خلاصة القول ، ان الحديث المستمر عن تدريب الصحفيين لا يحل الا جزءا من مشكلة ضعف وارتباك رسالتنا الاعلامية.. والجزء الاخر المكمل للمعادلة هو المسؤول الذي يجب ان يخضع ايضا للتدريب.. فالاصل ان يعالج الموضوع من طرفيه «المرسل والمتلقي» لا المتلقي فقط.