تشكل عشرات المواقع الليبية المنتشرة علي الشبكة الدولية (انترنت) متنفسا مهما لأغلب الليبيين كما تعكس حالة الاقبال الشديد علي مقاهي الانترنت المنتشرة في أهم المدن الليبية مثل طرابلس وبنغازي مدي تعطش هذا الجمهور الي صحافة حرة ومستقلة بعد أن سيطر الاعلام الرسمي والموجه علي جميع وسائل التعبير المتاحة من اذاعات ومجلات وجرائد.
وعلي الرغم من اختفاء أي أثر للأحزاب السياسية في ليبيا منذ خمسين عاما تقريبا، الا أن المراقب الحصيف يلحظ حضور هذه التنظيمات والتيارات بشكل كبير علي شبكة الانترنت علي الرغم من غيابها الرسمي في الواقع. ويتجلي حضورها عبر منابر مباشرة مثل جماعة الاخوان المسلمين و الجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا أو غير مباشرة مثل منتدي ليبيا للتنمية البشرية و المنارة للاعلام كما تعكس بقية المواقع رؤي سياسية مختلفة ومتفاوتة بين وطنية ويسارية وقومية وأمازيغية.
يري كثير من المتابعين للشأن الاعلامي الليبي بأن المعارضة الليبية بجميع ألوان الطيف الموجودة فيها استطاعت أن تخترق الشارع السياسي عبر مواقعها المختلفة علي الشبكة الدولية. ويضيف هؤلاء أن المواقع الليبية المعارضة والمستقلة صارت تحظي بشعبية كبيرة من قبل الليبيين في الداخل. كما وجدت المعارضة في الشبكة العنكبوتية الدولية متنفسا كبيرا لايصال رسالتها مما دفع بالبعض الي تسميتها بـ المعارضة الالكترونية .
وعلي الرغم من الرقابة الشديدة التي تفرضها السلطات الليبية علي مواقع المعارضة بعد أن علقت فوق جدران مقاهي الانترنت وعلي جميع أجهزة الحاسوب ملصقات تحذر مستعملي الانترنت من الدخول لصنفين من المواقع: الاباحية ومواقع المعارضة. الا أن القاعدة التي يسير عليهـــــا أغلب زوار هذه المقاهي تقول بأن الممنوع غالبا ما يكون مرغوبا ومطلوبا لديهــــم. غير أن أغلب أصحاب مواقع المعارضة يشكون من اختراق السلطات الليبية لمواقعهم وتدميرها في أكثر مـــن مناسبة.
لكن في المقابل يري بعض المراقبين أن أغلب مواقع المعارضة الليبية تفتقد للدقة في معلوماتها والموضوعية في أغلب موادها اذ تعتمد اعتمادا شبه كلي علي مصادرها الخاصة التي عادة ما تكون رسائل بريدية يميل أصحابها الي تضخيم الأحداث والوقائع والتصرف فيها بما يتناسب مع الرغبات أحيانا أكثر من تناسبه مع مجريات الواقع.
كما يؤخذ علي هذه المواقع كثرة الأسماء المستعارة فيها والتي تجعل الزائر يشعر بأنه أمام أشباح تتقافز أمامه يسمعها تتحدث ولا يجد لها أثرا ويقرأ لها وهو بين منزلة المصدق والمكذب. كما يؤخذ عليها عدم نجاحها في تحقيق تواصل مع نخب ومثقفي الداخل.
أما من ناحية الشكل وحضور اللمسات الجمالية في التصميم فان الزائر لمواقع المعارضة الليبية علي الانترنت يجد أنواعا مختلفة من التصاميم والأشكال بعضها بدائي لا يزال يعمل بلغات قديمة والبعض الآخر متقدم في شكله وتصميمه.
يعتبر موقع ليبيا وطننا الذي يديره الدكتور ابراهيم اغنيوة، وهو أستاذ في عدد من الجامعات الأمريكية، أقدم المواقع الليبية علي الاطلاق. وهو ينافس في قدمه مواقع أغلب الصحف العربية المشهورة التي دخلت عالم الانترنت مع منتصف التسعينات من الألفية المنصرمة.
فعندما تأسس موقع ليبيا وطننا في تشرين أول/أكتوبر 1995 كانت معرفة الأغلبية الساحقة من الليبيين بالشبكة العنكبوتية محدودة جدا، وليس مستبعدا أن يكون عدد زائري هذا الموقع في شهوره الأولي لم يتجاوزوا الخمسين زائرا مقارنة بعدد زائريه اليوم والذين يفوق عددهم الآلاف.
وعلي الرغم من أن سلطات الرقابة الليبية تضع ليبيا وطننا علي قائمة المواقع المحظورة، الي جانب مواقع عديدة أخري مثل موقع أخبار ليبيا و ليبيا المختار وموقع الانقاذ و ليبيا المستقبل ، الا أن الموقع وبعد مرور عشر سنوات علي تأسيسه لازال يحظي بشعبية كبيرة مما اضطر السلطات الليبية للقبول به واقعا مفروضا ولجأت هي الأخري للاستفادة من شعبيته ببث الاعلانات والكتابات والردود علي معارضيها علــي صفحاته.
ويري بعض الراصدين للمشهد الالكتروني الليبي بأن شعبية هذا الموقع ترجع الي نجاحه في خلق ساحة للحوار بين جميع التيارات الليبية وتمتعه بقدر عال من النزاهة في النشر وانفتاحه علي الجميع الي الحد الذي اعتبره البعض مخالفا للقيم والأعراف والثوابت لدي البعض.
تنتشر عشرات المواقع الالكترونية التابعة للحكومة الليبية من صحف رسمية مثل صحف الجماهيرية و الشمس و الزحف الأخضر و الفجر الجديد ومواقع للاذاعة الليبية ومراكز دراسات وبحوث مثل موقع دراسات وبحوث الكتاب الأخضر وموقع خاص بالزعيم الليبي العقيد معمر القذافي.
ويلحظ الزائر لهذه المواقع علي الرغم من كثرتها وتعددها وحدة المضمون في خطابها السياسي والفكري وأخبارها وتقاريرها حتي انها قد تبدو للمتصفح موقعا واحدا وان اختلفت أسماؤها فالأخبار يحظر جلبها من غير وكالة الأنباء الليبية المعروفة بـ أوج والتي يمكن استقبال بثها بشكل مجاني علي الشبكة كما ان خطابات الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي موجودة علي صفحات جميع هذه المواقع ولكثرة هذه الخطابات فقد انشأ موقعّ خاص به أطلق عليه اسم القذافي يتحدث .
ولا تحظي المواقع الليبية الرسمية حسب احصائيات مقياس ألكسا الدولي بشعبية كبيرة وأغلبها يشكو من ضعف الزائرين وندرتهم مقارنة بمواقع ليبية مستقلة أو معارضة تحتل مراتب متقدمة من حيث عدد المتصفحين والزائرين.
ويعزو المراقبون ذلك الي الخطاب الاعلامي الموجه والمسيطر علي أغلب المواقع الرسمية الي جانب غياب الشفافية وضعف مساحات الرأي والرأي الآخر. كما ان مساحات التعبير الحر تكاد تكون معدومة اذا ما قورنت بغيرها من المواقع غير الرسمية التي نجحت في اجتذاب القراء عبر مساحات النشر المفتوحة.
غير أن ظهور موقع أمانة اللجنة الشعبية العامة (رئاسة الوزراء) تحت اشراف الدكتور شكري غانم في تموز/يوليو الماضي أعطي انطباعا مغايرا لدي الكثيرين، ولفت أنظار الجميع بطرحه قضايا للحوار والتعبير ونشره رسائل القراء بشكل شفاف، وما تبعه من ظهور رئيس الوزراء علي الموقع ليطمئن زواره بأنه ليس لديه سلة مهملات وأنه لن تكون هناك رقابة علي نشر الانتقادات.
وتشير تقارير نشرت علي الانترنت الي أن غانم لجأ الي انشاء موقع خاص بحكومته بسبب احتكار خصومه من اللجان الثورية الذين لم يخف امتعاضه من أسلوبهم في تسيير شؤون الدولة في أكثر من مناسبة لأهم منابر الدولة مثل المؤسسات الصحافية العامة التي تضم جميع الصحف ووكالة الأنباء الرسمية (أوج). ويعتقد مراقبون بأن انفتاح موقع رئاسة الوزراء علي الليبيين سوف يسبب احراجا حقيقيا لأغلب مواقع السلطة الموجهة.
لا يمكن للزائر لشبكة الانترنت لأغلب المواقع الليبية أن يجد مواقع مستقلة فأغلب المواقع الموجودة يتوزع خطابها السياسي بين مؤيد للنظام أو معارض له باستثناء المواقع الثقافية التي تترنح مادتها بين الخطابين.
غير أنه وقبل عام ظهرت أول صحيفة الكترونية في آب/أغسطس من عام 2004 أطلقت علي نفسها اسم ليبيا اليوم . ويقول القائمون عليها ان صحيفتهم تعمل وفق معايير الصرامة والجدية وأنها تسعي لالزام نفسها بقيم المصداقية والموضوعية وتريد أن تدشن خطابا ثالثا بين خطابي التأييد والاستنكار وتنقل الأخبار بشفافية من دون توجيه . ويرفض اصحاب ليبيا اليوم نسبتهم للاعلام المعارض أو للاعلام الرسمي.
ويلاحظ الزائر لهذا الموقع تفرده بانتاج بأخبار وتقارير وتحاليل خاصة يقول القائمون عليها انها من انتاج مراسليهم. كما يلحظ بأن أشباح الانترنت تنعدم تماما تمشيا مع سياسات النشر المعلنة اذ لا يسمح بالكتابة باسم مستعار. ويحسب لهذه الصحيفة نجاحها في تحقيق تواصل مع أساتذة الجامعات والمهندسين والمثقفين والأدباء في الداخل الذين تظهر أسماؤهم وحتي صورهم علي الموقع.
غير أن منتقدي هذه الصحيفة يأخذون عليها عدم تناولها أخبار المعارضة الا نادرا وتجنبها الحديث عن شخص الزعيم الليبي معمر القذافي أو توجيه أي انتقادات اليه.
ويري العديد من المتابعين للشأن الاعلامي في ليبيا بأن الانترنت سوف تلعب دورا كبيرا في تشكيل مستقبل الخارطة السياسية والثقافية والفكرية للبلاد علما وأن أكثر من ثلثي سكان ليبيا من الشباب الذين لم تتجاوز أعمارهم 30 عاما وهم الذين يشكلون غالبية رواد الانترنت.
ومع استمرار وجود قوانين تقيد حرية التعبير وتمنع انشاء صحافة حرة خاصة سيظل الليبيون يلجؤون الي متنفسهم الوحيد الذي لم يحكم مقص الرقيب قبضته عليه بعد.