شهدت الأوساط السياسية والصحافية في مصر أزمة كبيرة شبهها البعض بكرة الثلج التي تكبر يوما بعد يوم، ففي تلك الفترة صدرت 9 أحكام بالحبس والغرامة بحق تسعة صحافيين معارضين ومستقلين بينهم 5 رؤساء تحرير، الأمر الذي شكل سابقة لم تحدث من قبل.
وتسببت الشائعات التي انطلقت قبل نحو الشهر وطالت صحة الرئيس المصري حسني مبارك في تفجير الأزمة الحالية بين الصحافة المستقلة والحزبية من جهة والحكومة المصرية من جهة أخرى، حيث شكل المجلس الأعلى للصحافة لجنة من كبار الصحافيين والخبراء القانونيين لبحث تقرير عن الممارسة الصحافية حول شائعة مرض الرئيس مبارك، لبحث الإجراءات القانونية التي ستتخذ بحق الصحف والصحافيين المخالفين.
وأشعلت الأحكام القضائية التي توالت على الصحافيين أزمات أخرى بين نقابة الصحافيين والمجلس الأعلى للصحافة من جهة، وبين الصحف القومية والصحف الخاصة والمستقلة من جهة أخرى، الأمر الذي دفع الصحف المستقلة والحزبية لاتخاذ قرار بالاحتجاب عن الصدور يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل احتجاجا على الأحكام بحبس الصحافيين.
"لا يوجد وعي لدى معظم الصحافيين بالقوانين، والتشريعات التي تنظم عملهم" هكذا بدأ نجاد البرعي رئيس جمعية المساعدة القانونية الحديث عن أبعاد الأزمة الموجودة على الساحة الآن وأضاف "رغم أننا نرفض هذه القوانين، التي تؤدي لحبس الصحافيين، إلا أنه من الواجب تعلم كيفية التعامل معها وعقد الدورات التدريبية لرفع وعي الصحافيين بها كي لا يتعرضوا للحبس بين الحين والآخر".
واعتبر البرعي أن أحد أسباب الأزمة أن "التشريعات جائرة والصحافيين ينقصهم الوعي في التعامل معها والمعلومات المتاحة شحيحة والثلاثة عوامل السابقة تشكل أضلاع مثلث الموت" واختتم حديثه مستشهدا بالمقولة الشهيرة "نحترم القانون ونسعى إلى تغييره".
أما محمد علي إبراهيم رئيس تحرير صحيفة الجمهورية القومية، الذي يتهمه البعض بتبني وجهة النظر الحكومية في كتاباته فقال "هذه الأزمة نحن الذين صنعناها".
واعتبر أن سبب الأزمة الحالية بين الصحافيين والحكومة هو عدم الالتزام بثلاثة معايير بالنسبة لنشر المعلومات، وقال "إذا توافرت لدي معلومة ولم أتمكن من التحقق منها فأنا لا أستحق منصب رئيس التحرير، وإذا توافرت معلومة ولم أتمكن من أن أضيف عليها فأنا لا أستحق أيضا منصب رئيس التحرير، وهكذا الحال إذا توافرت لدي هذه المعلومة ونشرتها على لسان مصدر واحد فالخطأ هنا مهني بحت".
ويلقي إبراهيم بالمسؤولية على نقابة الصحافيين ودورها في افتعال الأزمة قائلا "النقابة تتعامل مع الحكومة المصرية بطريقة المساومة، تريد الحصول على مكاسب في مقابل أداء دورها، كما أن لجنة الحوار الأخيرة التي شكلتها للتفاوض مع الحكومة خير دليل على ذلك فالحكومة والصحافة ليسا على خلاف والدليل أن مصر أكبر دولة عربية تشهد حريات صحافية".
من جانبه، يؤكد يحيى قلاش سكرتير عام نقابة الصحافيين أن الأزمة ليست خطأ مهنيا من رؤساء التحرير ولكنها نتجت نتيجة غياب قانون لحق المعلومات.
وأعرب قلاش عن اعتقاده إن هناك حاجة لقانون يقر بحق المعلومات ويجرم من يحجبها ويطالب الجهات بالرد على الاستفسارات الصحافية حتى لو كان مصدر المعلومة مجهولا، وإذا لم يأت الرد خلال 48 ساعة فإن من حق الصحفي أن ينشر ما لديه وهذا ما يعمل به في الخارج.
أما محمد الباز مدرس الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة والصحافي في جريدة الفجر المحكوم على رئيس تحريرها بالحبس يتوقع أن تشهد الأيام القادمة تصعيدا للأزمة بين الحكومة والصحافة، معتبرا أنه لا توجد جدوى من الحديث عن ميثاق الشرف الصحافي وادعاء البعض أن عدم التمسك به هو سبب الأزمة، لأن هذا الميثاق – على حد قوله – "لا يلتزم به أحد ولا حتى الصحافيين القوميين".
وقال الباز: "النظام يتعامل مع الحرية على أنها منحة خاصة منه وطالما أن هذه الحرية بعيدة عن الخط الأحمر فلا مساس بها، أما إذا تجاوزته فيعود النظام ويراجع نفسه ويستخدم قوانينه مثلما حدث في موضوع تناول صحة الرئيس ومن يخلفه لأن ذلك خطاً أحمر بالنسبة له".
من جانبه، قال عبد الحليم قنديل رئيس تحرير صحيفة الكرامة سابقا والمحكوم عليه بالحبس لمدة عام مع الشغل وغرامة 20 ألف جنيه قال "الأزمة الدائرة أكبر من مجرد عدم وجود قانون يساعد على تدفق المعلومات أو يجبر الجهات الرسمية على توفير المعلومات للصحافي ولكن هناك قواعد مرعبة تتحكم في الوسط الصحافي ومنها التضييق على إصدار الصحف رغم الانفراجة النسبية التي حدثت في القانون المنظم لها، كما ان القضاء يلزم الصحفي على تقديم مستندات أصلية حول المعلومات التي نشرها في الوقت الذي يستحيل فيه الحصول على المعلومات لأن قانون العاملين المدنيين بالدولة يجرم ذلك، مما يجعل المستندات المنشورة في الصحافة هي مستندات مسربة عمدا من شخص متضرر من وضع ما أو يريد أن يضر بعض الأطراف وهذا يقلل من اطمئنان الصحافي لها لأنها مدفوعة بأذى معين".
واعتبر قنديل أن الأزمة الحالية سببها حزمة القوانين التي تقود للحبس والتي بها كم كبير من المصطلحات المطاطة مثل تكدير السلم العام وإثارة الفزع وهي أشياء يمكن الاختلاف في تقييمها، وقال "هذه ليست قوانين ولكنها عصا مسلطة على الصحافيين ويستخدمها النظام كلما أراد عن طريق 3 مواد في قانون العقوبات".
وأضاف "في القضية الأخيرة التي حكم علي فيها بالحبس رأى فيها القاضي أن الحزب الوطني هيئة نظامية مثل الجيش رغم أنه مجتمع مدني وتم على أساسه الحكم بحبسي، لأن القانون افترض إنني تسببت في أضرار معنوية وليست مادية والسبب صياغات هزلية لقانون فاش يعكس الحالة التي يعيشها المجتمع، فحتى من يشتركون معنا في القوانين السالبة للحريات لا يغلظون العقوبة بهذا الشكل فأنور الهواري رئيس تحرير صحيفة "الوفد" المعارضة حكم عليه بسنتين حبس بينما صحافي مصري يعمل في الإمارات حكم عليه بشهرين فقط".
أما الدكتور فاروق أبو زيد عضو المجلس الأعلى للصحافة ومقرر لجنة الممارسة الصحافية التي أعدت تقريرا اتهم ثلاث صحف مستقلة وحزبية بالتجاوز في نشر شائعة مرض الرئيس – هي صحف الدستور وصوت الأمة والكرامة – فقال "الأزمة الحالية نشبت نتيجة عدم التحقق من الشائعة وليس في التعامل مع شائعة مرض الرئيس، حيث يوجد أكثر من 500 مطبوعة تناولت الشائعة ولكننا أشرنا إلى خطأ مهني وقعت فيه 3 صحف فقط، فطالما تعامل الباقون بحرفية مع الشائعة فلماذا لم تتعامل الصحف الثلاث الأخرى على هذا النحو".
وطالب "أبو زيد" النقابة بالقيام دورها في التقييم المهني ومعاقبة المتجاوزين والخارجين عن ميثاق الشرف الصحافي لتقنع الرأي العام بأنه توجد محاسبة مع الاحتفاظ طبعا بحق التقاضي لأنه مكفول للجميع".
ويرجع أبو زيد حالة الاحتقان التي تعيشها الصحافة المصرية منذ سنوات إلى ثلاثة أسباب أولها "التحول الطبيعي من مجتمع شمولي إلى مجتمع ديمقراطي والرغبة في الحصول على التغيير بأكمله دفعة واحدة، وثانيها التعامل مع الأزمة باعتبارات انتخابية حيث أحيانا يتغلب الجانب السياسي على الجانب المهني، وثالثها غياب دور النقابة في محاسبة المتجاوزين".
وللخروج من هذا المأزق يقترح أبو زيد أن يتم إلغاء الحبس وإلغاء الغرامة أيضا لتحل محلها التعويضات التي تذهب للمتضرر وليس مثل الغرامات التي تذهب للدولة، بالإضافة إلى التمسك بالوعد الرئاسي بإلغاء الحبس لأن النظام ليس كله مع الحبس بدليل وعد الرئيس بإلغائه.