بدأت امس في القاهرة محاكمة الزميل ابراهيم عيسي رئيس تحرير صحيفة الدستور المصرية بتهمة نشر شائعات عن وفاة الرئيس حسني مبارك، ادت الي خلق حالة من البلبلة وعدم الاستقرار، انعكست بشكل سلبي علي اسواق المال، حسب اقوال الادعاء.
المحاكمة جرت وسط اجواء غير مسبوقة، حيث تدفق عشرات المحامين الي محكمة جنح بولاق ابو العلا للدفاع عن السيد عيسي في هذه القضية التي يري الكثيرون انها تمس بالحريات الصحافية، والصحف المستقلة في مصر التي دأبت علي انتقاد الرئيس المصري وافراد اسرته ومسألة توريث الحكم.
نشر الشائعات امر يتعارض مع المهنية الصحافية، هذا امر لا شك فيه، لان من ابرز مهام الصحافي ان يتحقق من مصادر الخبر، ويلتزم الدقة، ولكن هذا لا يعني ان تصدر احكام بالسجن في حقه، وزملاء آخرين.
شائعة وفاة الرئيس مبارك لم تكن صحيحة، وجري تكذيبها بعد ساعات معدودة من خلال ظهوره علي شاشات التلفزة في جولة داخلية رسمية. وهذا التكذيب جاء بمثابة عقاب للصحيفة التي نشرت هذه الشائعة، من حيث اهتزاز مصداقيتها امام القاريء.
الذهاب الي ما هو ابعد من ذلك واللجوء الي القضاء ربما يعكس نوايا مبيتة ضد الصحيفة ورئيس تحريرها، خاصة عندما تأتي هذه الملاحقة من رأس الدولة، وبعض المسؤولين المقربين منه، ويتم الايعاز للمحاكم باصدار احكام بالسجن في حق اربعة زملاء، بينهم رئيس تحرير صحيفة الدستور .
نحن نسلم بحق الرئيس مبارك، او اي انسان بسيط في مصر باللجوء الي القضاء اذا ما تعرض للسب او القذف من قبل الصحافة، لكن شريطة ان يكون هناك قضاء مستقل، وشفافية في قمة الحكم، لا ان تكون نزاهة هذا القضاء موضع شكوك قوية، ويتم التعامل مع احكامه بصفة انتقائية، مثلما هو حال معظم الدول العربية.
صحة الزعماء العرب تعتبر من اسرار الدولة الاستراتيجية، ممنوع اطلاع الصحافة او الجمهور عليها، فالمواطن العربي لا يعرف ان زعيمه مريض الا بعد وفاته، وهناك حالات للعديد من الزعماء العرب حكموا بلادهم لسنوات وهم في غيبوبة او في حال عجز كامل. فكيف يمكن لصحافي مصري ان يعرف صحة رئيسه وما اذا كان حيا او ميتا اذا كان السؤال في حد ذاته جريمة يمكن ان تعرض صاحبها للسجن، وحتي لو وجد من يجيبه علي هذا السؤال فان الاجابة ستكون بالنفي، حتي لو كان الرئيس مات فعلا، طالما لم يصدر بيان رسمي في هذا الخصوص.
نعترف بان الصحافة المستقلة، او بعضها، في مصر والوطن العربي، تجاوزت خطوطا حمراء وتطاولت في بعض المرات، ودون اسانيد دامغة علي بعض الشخصيات العامة والخاصة، وهو امر غير مقبول، علاوة علي كونه غير قانوني وغير اخلاقي. ولكن الصحافة الحكومية المملوكة للدولة كانت رائدة في هذا الخصوص، وتطاولت بشكل سافر علي سياسيين معارضين، وزعماء دول عربية اختلفوا مع النظام، اي ان هذه الصحافة الحكومية الخاضعة للدولة لم تقدم النموذج في الالتزام الادبي والاخلاقي والبعد عن الاسفاف والتجريح ونشر الاكاذيب.
حبس الصحافي امر تحظره جميع قوانين الصحافة والنشر في الدول المتحضرة. فهناك ضوابط عديدة تحكم هذه الصناعة، وتضمن حقوق المواطنين، وتحميهم من السب والقذف دون ان يتعرض الصحافي او رئيس التحرير للسجن.
وكان لافتا انه في الوقت الذي تصدر فيه محاكم مصرية احكاما بسجن صحافيين مصريين، يصدر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم امارة دبي ورئيس وزراء دولة الامارات العربية المتحدة مرسوما بعدم حبس اي صحافي نتيجة ممارسته لعمله. وهو مرسوم يعتبر الاول من نوعه في المنطقة العربية، ويؤكد الحرص علي الممارسة المهنية. فدولة الامارات طبقت قوانين النشر وعاقبت صحافيين قذفوا في حق اشخاص سواء عبر الصحف او مقالات في الانترنت، سواء بغرامات كبيرة او باغلاق المواقع المسيئة او بالاثنين معا.
الامم تتقدم باحترام الحريات، وخاصة حرية التعبير، وفق ضوابط ومعايير قانونية عادلة وملزمة للجميع، اما حبس الصحافيين من خلال احكام جائرة وقضاء غير مستقل فهو ابرز علامات التخلف والديكتاتورية.