من كان يتوقع لمازن دعنا هذا المصور الصحفي الفلسطيني الجريء حدّ اقتحام اكثر المواقع خطورة ان يسقط شهيداً فوق ثرى العراق، وهو الذي التقى الموت وجهاً لوجه اكثر من الف مرة حينما كان يتصدى بعدسة كاميرته لتصوير همجية جيش الاحتلال الصهيوني، في اجتياحاته للمدن والمخيمات والبلدات الفلسطينية في الاراضي الفلسطينية، ليفضح دموية وعنصرية الكيان الصهيوني. كان متوقعاً له ان يسقط في الخليل او في جنين او في طولكرم او في بيت لحم، او في قلقيلية. وهو نفسه كان يتوقع ذلك، ولكن ما الفرق بين ان يسقط دعنا في فلسطين، او في العراق!! الا يعيش البلدان العربيان حالة احتلالية واحدة، وذهنية استعمارية واحدة، وكراهية عنصرية واحدة ضد اهل فلسطين واهل العراق؟! وما الفرق بين الدبابة الصهيونية والدبابة الاميركية، وبين المجندين المرتزقة في الكيان الصهيوني، ومرتزقة الجيش الاميركي من مشاة المارينز؟! أليست رصاصاتهم واحدة، واساليبهم واحدة، وموتهم واحد!! ثم أليس الدم العربي الفلسطيني الذي يسفك في فلسطين، هو نفس الدم العراقي الذي يسفك في العراق؟! الجرح واحد في فلسطين والعراق، والدم واحد، والارض واحدة، والمحتلون هم أنفسهم. لا فرق إذن بين ان يسقط دعنا في فلسطين أو في العراق. فكل شيء في هذين البلدين المفجوعين مشرع للقتل وبنفس الرصاص، الرصاص الصهيوني، والرصاص الامبريالي الاميركي، بغض النظر عن كونه فلسطينيا او عراقياً او اردنياً او سورياً أو… ولكن… لماذا قتلوا مازن دعنا بكل هذا الاستهتار والدم البارد، وهو الذي كان يحمل كاميرا تصوير وليس بندقية!! اتراها الكاميرا بين يدي دعنا كانت اشد خطراً على الأميركيين من البندقية!! يبدو أن الامر كذلك، وإلا لماذا اطلقوا عليه النار وهو يحمل كاميرته ويصور سجن ابو غريب من الخارج!! لماذا قتلوه وهو يرتدي البزة الخاصة بالصحفيين، ويحمل تصريحاً بالعمل في العراق، لصالح وكالة رويترز!! لماذا قتلوه وهم يعرفون أنه لا يهدد أرواحهم النتنة!! ولماذا استهدفوه دون غيره من الصحفيين الذين كانوا يتواجدون حول سجن أبو غريب ويلتقطون له الصور من بعيد!!
لجواب على هذه الاسئلة، جاء من الخليل وعلى لسان شقيقه نظمي دعنا، واصدقائه وأقربائه الذين أخبرهم مازن انه نجح في تصوير المقابر الجماعية للجنود الأميركيين الذين سقطوا على ايدي رجال المقاومة العراقية، وجرى دفنهم في الصحراء بعيداً عن العيون والكاميرات، في محاولة لاخفاء حجم الخسائر البشرية الاميركية في العراق، لا سيما وأن من دفنوا في هذه المقابر هم من المرتزقة وليسوا اميركيين، بل من الذين التحقوا بالجيش الاميركي طمعاً في الحصول على الجنسية الأميركية بعد انتهاء الحرب، فما حصلوا الا على موت ذليل، واكياس بلاستيكية سوداء جرى دفنها في الصحراء.
مازن دعنا اذن كان في طريقه لاعداد تقرير مدعم بالصور، صور الجثث والمقابر الجماعية الاميركية، ليفضح الاستهتار الاميركي بحياة هؤلاء المغرر بهم، وكذلك الاستهتار بموتهم، ليقرب بين الصورتين.. صورة المقابر الجماعية التي يتهم بها النظام العراقي السابق، وصورة المقابر الجماعية الأميركية التي يقارفها البنتاغون والادارة الاميركية. ولو قدر لهذا التقرير ان يكتمل ويطلع عليه الرأي العام الأميركي والعالمي، فمن المؤكد أنه كان سيحدث زلزالاً في الادارة الأميركية، ويطيح بكل رموز هذه الادارة الذين كذبوا على شعبهم وعلى العالم اكثر مما ينبغي، واقترفوا من اعمال القتل والابادة بحق الشعب العراقي أكثر مما يمكن، ولكن اذا كانت قيادة الجيش الأميركي في العراق، قد اغتالت دعنا. وعلى هذا النحو المتعمد، لكي لا يفضح عدوانهم القذر على الشعب العراقي، ودفنهم للجنود المرتزقة الذين قاتلوا معهم بفظاعة غير مسبوقة، فمن المؤكد أن هناك اكثر من دعنا الصحفي، سيصل الى هذه المقابر ويفضح ادارة الشر والقتل في واشنطن.