في الاردن صحافة حرة
جزئيا حسب تصنيفات التقرير العالمي للحريات الصحفية الصادر بمناسبة اليوم العالمي
لحرية الصحافة في العالم، وهذا التصنيف يقع في وسط القائمة تقريبا اذ ثمة في هذا
العالم من الشعوب من يتمتع بحرية صحفية كاملة، ثم هناك من لا يتمتع بأية حريات
صحفية ونحن لسنا من بين هؤلاء، اما الجانب المشرق في موقعنا المتوسط على القائمة
فالشعور العام بأن قضية الحريات الصحفية في الاردن لم تعد محل نقاش ما بين مؤيد
ومعارض – كما كانت من قبل- وانها تلقى تفهما واسعا بين اوساط الناس وكذلك السلطات
باعتبارها عامل توازن في المجتمع ويعول عليها في ممارسة دور الرقيب في ظل غياب او
ضعف الجهات الرقابية الاخرى، وما يدفع الى التفاؤل بمستقبل افضل لحرية الصحافة في
بلدنا التأييد الملكي لحرية صحفية مسؤولية توائم بين خصوصيات المجتمع الاردني
ومتطلبات قيام صحافة حرة قادرة على تأدية الدور الملقى على عاتقها كاملا بحيث نشهد
عملية تطوير على صعيدين متوازيين ويسيران جنبا الى جنب ،الحريات الصحفية من جهة
والمهنية الرفيعة التي ستكفل المسؤولية دون الحاجة الى قيود تفرض بذريعة الانضباط
من جهة اخرى ،فما ان نصل الى مستويات راقية من العمل الصحفي الشامل لجميع جوانب
وعناصر الموضوعية فأننا سنضمن المسؤولية بمحددات تلزم الصحفي المحترف على نحو من
المهارة بحيث يتحول هذا السلوك مع مرور الوقت الى تراث وثقافة لا تحتاج الى بنود
قانونية متشددة ولا الى رفع عصا التهديد بالرجوع الى الوراء عشرين سنة كلما جنحت
بعض الصحافة عن جادة الصواب او كلما اغضبت مسؤولا في موقعه الوظيفي، فالثقافة
المطلوبة هنا لا تشمل الصحافة والصحفيين فقط وانما بقية المجتمع ايضا ،فالمهنية
الرفيعة والمسؤولية لا بد ان تلتقي – لا ان تتقاطع – مع امزجة متقلبة ولا مع عصبيات
قبلية ترفض الرضوخ لمتطلبات الحاضر وتصر على التعامل مع الصحافة على انها كائن
غريب يحاول ان يطيح بمكتسبات البعض ،او انها ثورة على الماضي وعلى التقاليد والقيم
المجتمعية ،فبينما تتحول الصحافة الى المهنية والموضوعية يجب ان يتحول المجتمع الى
مستويات متقدمة من الفهم لأهمية الصحافة وضرورة ان تكون حرة ،وهنا يأتي دور
الحكومات والجهات المسؤولة كي تقدم النموذج الديمقراطي القادر على التعايش مع
الحرية بكل ما قد تحمله من اراء قد تبدو مختلفة واحيانا غريبة ولا تتفق مع التوجه
الرسمي فبدون الاقرار بهذه الحرية والقبول بسماع الرأي الآخر لن يتعزز دور الصحافة
ابدا ،وسيظل المجتمع يفتقد التوازن في شكل وحجم وتأثير القوى الفاعلة فيه فواحدة
هي السلطة ستغلب البقية وتنفرد بفرض ارادتها ،اما الطرف الآخر من المعادلة وهو
الانسان فسيكون الضحية ما لم يضع الصحافة الى صفه ويجبرها على تبني همومه ومصالحه
ولا يكون ذلك ما لم يؤسس هو ذاته ثقافته الخاصة القائمة على قبول الرأي الآخر سواء
قرأه او سمعه او شاهده ،فهذا المواطن المتلقي مطالب بممارسة ديمقراطية مكانية
حيثما تفاعل مع محيطه ،في البيت والعمل والسيارة والسوق وفي كل مكان ،وما من قوة
كفيلة بترسيخ هكذا ثقافة في مجتمع لا يزال قيد التحول من مجتمع قبلي الى مجتمع
حضري الا الصحافة الحرة مقرؤة او مسموعة او مرئية ،فاذا قفزنا السياج نحو عالم من
العمل الصحفي الحر على اسس من العدالة والموضوعية والمسؤولية ؟ وقد نضطر الى قفزة
من هذا النوع كسبا للوقت ؟ فاننا نحتاج الى فهم وتفهم الناس وبنفس الوقت ستكون
الصحافة حليف هؤلاء الناس من اجل مصالحهم ومستقبلهم ،المهم الآن القبول المتبادل
ما بين الصحافة والناس لا ان تقوم العلاقة بينهما على مبدأ زبون وجريدة او مستمع
وراديو او مشاهد وتلفزيون ،فالتفاعل اساس الحرية لانه يضع المقاييس اللازمة لاحداث
التوازن في المجتمع والمعايير الضرورية لتصحيح الاخطاء ووضع القدم في الموقع
المناسب ،فالحرية تظهر فيما يكتب ويقال ولكن الجمهور من يقررها لا رؤساء التحرير
ولا مديرو غرف الاخبار ،فاذا قال الناس ان صحافتنا واذاعاتنا ومحطاتنا التلفزيونية
تقدم ما نريد ان نقرأه ونسمعه ونشاهده وتعكس احتياجاتنا ومتطلبات حياتنا وهمومنا
اليومية صرنا صحافة حرة والى ان نصل الى هذا الاعتراف – وما هو ببعيد -لا بد من
جهود يقدم عليها الشجعان في الصحافة الاردنية وهم بيننا،ولا بد من تنازلات تقدمها
السلطات ولا بد من وعي المواطن باهمية ان تكون الصحافة حليفا له.