يعاني
الصحفيون في الجزائر من ظروف عمل قاسية كثيرا ما جنت عليهم سواء في ما يتعلق بغياب
الحماية في ممارسة المهنة أمام بارونات المال و السياسة أو في ما يخص ظروفهم
المهنية و الاجتماعية داخل مؤسساتهم الإعلامية، وهي أمور يشتركون فيها مع غيرهم من
الصحفيين في البلدان العربية، لكن الخصوصية التي يتميز بها صحفيو الجزائر تكمن في
أن فئة منهم ما تزال تقطن الإقامات الأمنية في الوقت الذي تسكن فئة أخرى الإقامات
الجامعية وحتى دور العجزة.
و حكاية
لجوء الصحفيين الجزائريين إلى الإقامات الأمنية تعود إلى عام 1994 عندما حول
الإرهاب نيرانه إلى رجال الإعلام بحجة أنهم " أعوان النظام الكافر" في
إشارة إلى الصحف التي كانت تنشر بشكل يومي أخبار الاغتيالات و نشاط مصالح الأمن ضد
الجماعات الإرهابية، و لم ينج صحفيو التلفزيون الحكومي و لا صحفيو وكالة الأنباء
الرسمية من هذه الحملة، الأمر الذي حدا بالسلطات آنذاك إلى ايجاد حل عاجل تمثل في
تحويل عدد من الفنادق السياحية التابعة للدولة إلى إقامات " أمنية" خاصة
بالصحفيين ووفرت لهم النقل من و إلى مكان العمل.
لكن اليوم
بعد تراجع حدة الإرهاب بشكل كبير و" إسقاط" فئة الصحفيين من أجندة
الجماعات المسلحة عوض المشكل الاجتماعي نظيره الأمني الذي كان يواجهه الصحفيون قبل
أزيد من 10 سنوات، فقد أصبح من الصعب على السلطات إخراج هؤلاء الصحفيين بعدما
أصبحوا أرباب عائلات في حين كانوا عزابا عام 1994 و لم تفلح كل المحاولات في
"طردهم" باتجاه أماكن أخرى نتيجة تعقد وضعيتهم هذه.
وفي هذه
الأيام يدور حديث عن اعتزام السلطات تطبيق قرار سابق يقضي باسترجاع فنادق "
المنار" و "المرسى" و "مزفران" (و هي الفنادق التي استقر
بها الصحفيون) لطابعها السياحي، لكن لا يبدو أن القرار سيعرف طريقه للحل في ظل
مطالبة الصحفيين بالحصول على سكنات وظيفية أو اجتماعية بديلة عن غرف الفنادق،
بينما تصر الدولة على تجاهل هذه الطلبات بحجة " انعدام التهديدات
الإرهابية".
وهناك
مبرر آخر وراء إقدام السلطات على استرجاع الإقامات الأمنية يتمثل في لجوء عدد لا
بأس من الصحفيين إلى تأجير غرفهم بالإقامات الأمنية بأسعار باهظة في الوقت الذي
رجع بعضهم إلى بيوتهم الأصلية أو انتقل البعض الآخر للعمل خارج الوطن لحساب مؤسسات
إعلامية عالمية.
و إذا
كانت فئة الصحفيين المقيمين بالإقامات الأمنية ينظر إليها على أنها " الفئة
المحظوظة "، فإن السواد الأعظم من الصحفيين العاملين في قطاع الصحافة
المكتوبة و حتى في التلفزيون الحكومي لم يجدوا سوى الإقامات الجامعية ملاذا لهم،
وأغلبهم قدموا من ولايات داخلية واستقروا بها بعدما أنهوا دراساتهم الجامعية بها،
و يواجه هؤلاء الصحفيون مضايقات من أعوان الأمن المكلفين بالحراسة في الإقامات
الجامعية، حيث يمنعونهم من المبيت بحجة كونهم "غرباء" عن الحرم الجامعي،
في ظل الارتفاع الهائل لعدد طلبة الجامعات الذي سيفوق عتبة المليون طالب في آفاق
2008.
لكن،
وبحسب الكثيرين، أن المحزن في أمر رجال الإعلام في الجزائر حيث يتوفر هامش كبير
لحرية التعبير قلما يوجد في غيرها من البلدان العربية، هو أن هناك من لم يجد مكانا
يأوي إليه لا في الإقامات الأمنية ولا في الإقامات الجامعية، فلجأ إلى دور و بيوت
العجزة، وهي حالة الصحفي سهيل الخالدي الذي زار اصقاع الدنيا وكتب للجزائر و للعرب
لكنه يعيش اليوم مقعدا في سرير في إحدى دور العجزة بالعاصمة الجزائرية، يعاني من
المرض والتهميش.
والواقع
أن الوضع المزري الذي يعيشه الصحفيون في الجزائر يعود بالأساس إلى عدم وجود نقابة
عمالية قوية تدافع عن حقوقهم في وجه مسؤولي الصحف الخاصة وحتى مسؤولي مؤسسات
الصحافة و الإعلام التابعة للحكومة، و بسبب إغراق نقابتي الصحفيين في ممارسة
السياسة فقد رفض أغلب الصحفيين البالغ عددهم قرابة 2000 صحفي الانخراط في مثل هذه
النقابات، في انتظار قانون الإعلام الجديد الذي تحضر له السلطة و الذي يحمل بصمات
"الحزب الواحد" قبل التعددية في مسألة تكميم الأفواه.