سمعت قولا بليغا يشبه أحوال الصحفيين في مصر بالوضع في لبنان, ويصف الأزمة التي تكاد تعصف بالنقابة بأنها أشبه بأزمة انتخاب رئيس لبناني جديد لايوجد إجماع عليه. بعد أن انقسم الصحفيون فيما بينهم شيعا وأحزابا عددها أحدهم بـ8 شعب. أي أنهم مازالوا أقل من عدد الأحزاب والطوائف اللبنانية, ولكنهم في النهاية ــ مثل لبنان ــ فريق يمثل معسكر الموالاة وفريق يمثل المعارضة!!
ربما يكون التشبيه دقيقا. فلبنان مازالت دولة والنقابة مازالت هي النقابة التي تضم مختلف أطياف الجماعة الصحفية. كما أن أحدا لايعرف من هم بين الصحفيين أنصار الموالا ولا من هم أنصار المعارضة. حيث يصعب الفرز بينهم.
والحقيقة التي بدت لكل مراقب موضوعي أن جزءا من المشكلة يرجع إلي أن مجلس النقابة لم يكن دائما علي وفاق, رغم ما تميز به النقيب جلال عارف من اعتدال ومصداقية. فقد انقسم المجلس ما بين الناصريين والاخوان المسلمين والحزب الوطني. وهو أمر طبيعي في أي تجمع نقابي تحسمه الانتخابات, بشرط توافر قدر من النضج الذي يغلب مصلحة الجماعة الصحفية علي أي انتماء حزبي أو سياسي. وهو ما لم يحدث. لأنه حين تسيطر النزعة الحزبية وتطغي السياسة, وتعبث أصابع خارجية في تشكيل نقابي ذي طبيعة سياسية, يعتمد أعضاؤه بالدرجة الأولي علي ما تقدمه الحكومة من مساعدات مالية للعلاج والمعاشات والأجور والسكن وغيرها, فلابد أن نتوقع خضوعا لمطالب الحكومة, علي غرار منطق المساعدات الأمريكية لمصر.. أو هذا ما تتوقعه الدولة.
وفي اعتقادي أن جوهر المشكلة هي أن الدولة تريد أن تظل ممسكة بالعصا والجزرة.. الصحفيون يريدون الحصول علي جزرة الحرية وكسر القيود واختراق الخطوط الحمراء التي أدمنتها السلطة نصف قرن. والحكم لايعرف من السياسة غير العصا والخضوع لاملاءات الأمن وأوامر الحزب مدججا بترسانة من القوانين ودعاوي الحسبة التي تتوعد وتعاقب بالحبس.
وهذا هو السبب في ضعف نقابة الصحفيين والحياة النقابية في مصر بصفة عامة, وتراجع العناصر الصالحة وذوي الكفاءات إلي الوراء. ولن ينصلح الحال إلا إذا أدركنا ضرورة تحرير الحياة النقابية من سيطرة الدولة كما هو الحال في الديمقراطيات الحقيقية. وعرفنا معني توازن السلطات وما يتتبعها من احترام الحريات وحقوق الآخرين.
أما وهذا كله مازال مجرد تمنيات في بطن الغيب, فالمهم ألا تشهد انتخابات نقابة الصحفيين ما تشهده الانتخابات عادة في مصر سواء كانت تشريعية أو عمالية أو طلابية من أعمال عنف وتدخلات أمنية ومصادمات بالسنج والمطاوي.
ومهما كان الأمر فلابد أن نعترف بأن النقابة تعمل من داخل النظام وليس من خارجه أو منفصلة عنه. ومن ثم فلابد أن يكون الاختيار لمنصب النقيب مبنيا علي أساس توحيد الصفوف, والدفاع عن الحريات الصحفية والغاء مواد الحبس, واستصدار قانون للمعلومات. وهي أهداف لاخلاف عليها بين المرشحين. ولكن السؤال الذي ينبغي أن يسأله الصحفيون لأنفسهم, من هو المرشح الذي يملك وضوح الرؤية والمرونة وقوة الحجة التي تمكنه من تحقيق ذلك.. دون أن يهدم النقابة علي رءوس الجميع.