لست من الرافضين لامتلاك الحكومة او الدولة لوسائل اعلام من صحف وتلفزيون واذاعات وغيرها من وسائل الاتصال, فما دام القانون اعطى الحق لكل مواطن او شركة او حزب فليس هناك مشكلة في ان يكون للحكومة وسائل اعلام تملكها, لكن التحدي ليس في امتلاك وسائل اعلام بل في استثمارها واستغلالها لتكون وسائل اعلام تخدم الدولة ومصالحها والناس.
وهناك ملكية مالية وقانونية، لكن هناك ملكية سياسية للدولة وتأثيرا على وسائل اعلام مختلفة قد لا تملكها الحكومة لكنها مملوكة لجهات استثمارية كبرى مثل الضمان الاجتماعي وحتى القطاع الخاص, لكن السؤال هل كل ما تملكه الحكومة من اعلام تستفيد منه ويخدمها, والجواب ليس خلافيا والدليل ان ملف الاعلام حاضر دائما في كل الحكومات وكل الازمات والمراحل.
لن نكرر ما نقوله جميعا منذ سنوات لكن جوهر الامر ان على الحكومات او اصحاب القرار الذين يغضبون من اي اعلام عندما يرتفع سقفه او يناقش قضايا صعبة ومفصلية ان يمارسوا ذات ردة الفعل على وسائل الاعلام المملوكة سياسيا او ماليا عندما تمضي عليها سنوات وسنوات وهي تعمل بلا سقف معقول وتمضي برتابة وروتين حوّلها الى دوائر حكومية، حتى وان لم تكن في حقيقتها مملوكة رسميا للحكومة, وافقدها حضورها وتأثيرها.
والقضية ليست فقط في التلفزيون الذي اصبح هدفا "للرجم" السياسي والاعلامي عند كل مرحلة, فهناك ايضا مؤسسات اعلام مهمة مملوكة سياسيا للحكومة وتعمل تحت اشراف دقيق وتفصيلي, لكن السؤال ما الذي تقدمه من خدمة حتى للحكومات, وهل يتم التقييم ورسم مسارات جديدة لهذه المقدرات الاعلامية؟
هنالك نظرية كانت تمارس من الدول وحتى الاحزاب في العالم تقوم على ادارة الاعلام وفق مسارين, الاول حجب اخبار الاطراف الاخرى وعدم التعرض لأي قضايا تخدم الجهات الاخرى, والثاني ممارسة التضخيم والاعلام لسياسات وقرارات المالك والمهيمن على وسيلة الاعلام, لكن هذه النظرية سقطت لأن الاعلام لم يعد احاديا, فلا يكفي ان تحجب صحيفة او تلفزيون حكومي خبراً حتى لا يصل للناس, لكن الاعلام الناجح الآن هو الاعلام الذي يتعامل مع كل القضايا بانفتاح ومصداقية ومهنية.
الاعلام الرسمي ليس التلفزيون ووكالة الانباء، بل هناك اعلام مملوك سياسيا للدولة، لكنه لا يخدم الحكومة ولا يقدم كل واجبه الاعلامي تجاه الناس والوطن, وهذا ليس لنقص الكفاءات، بل لان الملكية السياسية لم تكن مساراً متكاملاً بل لغايات حجب خبر او تعليق او تضخيم قضية والترويج لامر, وهذا صنع عقلية بل مواصفات لمن يتولون ادارة هذا الاعلام وهي تنفيذ القرارات والتوجهات من دون الحاجة للتفكير بتطوير هذه المؤسسات لأنه لا احد يحاسب على هذا فالحساب والتقييم على اساس الجزء الاول.
اما التلفزيون فحكايته واضحة والحل ليس في ان يكون المدير العام او مدير البرامج او الاخبار وزير وصاحب صلاحية, لكن الحل باعطاء كل صاحب موقع صلاحية حقيقية وان لا يخاف من اي خطوة او مبادرة لاعتقاده ان العقاب سيأتيه من كل الجهات, التلفزيون تعتقد كل الجهات الرسمية انه لها, وان عليه ان يخدمها, والهواتف تأتيه للطلب او العتاب من اطراف رسمية كثيرة مثل ماء السبيل الكل يعتقد انه ملكه, لكن من يتسلم التلفزيون يخرج من موقعه وهناك جهة رسمية لا تريده لكن ليس بالضرورة انه ارض الجهات الاخرى, طبعا يكون قد خسر الناس ولم يقدم شيئا جديداً.
والإعلام لم يعد تعليمات بل هو اموال وتمويل كبير وابداع ومبادرة وتفويض، لكن ايضا يحتاج الى قادة اعلام حقيقيين, وما نتمناه اذا كانت الحكومة جادة في تطوير اعلامها ان تفتح كل الملفات وباتجاه الحلول الحقيقية وليست الخطوات الادارية.