اذا كان التمييز بين ما يدخل في حرية التعبير
ونقل المعلومات وواجب وسيلة الاعلام في نقل المعلومة الى القارئ او السامع
والمشاهد وما يدخل في باب التحريض على العنف من المسائل القانونية الدقيقة فان هذا
التفريق يبقى لا قيمة له عندما يكون تحريض وسيلة الاعلام على العنف واضحاً وبينا
وظاهراً لا يحتاج الى تحر واستقصاء وتأمل وتدبر
لذلك تجد ان قوانين دول الديمقراطية وأوطان
الحرية اخذت بالسبل السديدة لمنع التحريض على العنف حتى ان احدى الصحف البريطانية
نشرت قبل اشهر وعند مناقشة البرلمان الانكليزي لمشروع (مسودة) قانون الارهاب رسماً
كاريكاتيراً للدلالة على ان القانون الجديد يتوسع في منع اعمال الارهاب والعنف
يتمثل في بناية من عدة طوابق وقريبة من طائرة وأحدهم في الارض يقول (صابت ما خابت)
اذ اعتبرت هذا القول على وفق القانون الجديد بمثابة تحريض على الارهاب والعنف واذا
كان الرد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 اباح حرية نقل الاخبار
والمعلومات والانباء فأنه اجاز للدول في الظروف الاستثنائية اتخاذ ما يلزم بشأن
تقييد هذه الحرية ووضع شروط لمداها اذ ادان في المادة (20) منه كل تحريض على العنف
وقد صدر قرار من الجمعية العامة للامم المتحدة سنة 1947 يسمح للدولة لمكافحة نشر
الانباء المزيفة والمشوهة وصدر قرار من منظمة اليونسكو سنة 1970 حول اسهام وسائل
الاعلام في تعزيز التفاهم والتعاون خدمة للسلام ورفاهية الانسان ومناهضة الدعاية
للعنف في قرار الجمعية العامة للامم المتحدة سنة 1978 بمنح الدول ان تتخذ من
الاجراءات ما عليها من التزاماتها الخاصة بحرية الاعلام والتي تم اقرارها دولياً
لمواجهة الظروف الاستثنائية التي تواجهها الدولة.
المبدأ في النظام القانوني العراقي
فلو رجعنا الى قانون نقابة الصحفيين رقم 178
لسنة 1966 لوجدنا انه منع الصحف من اختلاق الاخبار والتضليل وافتعال الاحداث
وتهديد المواطنين وزعزعة الثقة بالبلاد وكل ما من شأنه ان يحقق فائدة لجهة معادية
كما ان قانون المطبوعات رقم 206 لسنة 1969 اشار الى منع التحريض على العنف بالصيغة
التي كانت سائدة آنذاك وقرر فرض عقوبات على مالك المطبوع ورئيس التحرير وكاتب
المقال واوجب سريان ذلك على المؤلف والمترجم والناشر.
ونظم قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 النافذ
حالياً على معاقبة رئيس التحرير بصفته فاعلاً اصلياً في جرائم النشر واذا لم يكن
ثمة رئيس تحرير يعاقب المحرر المسؤول عن القسم الذي حصل فيه النشر مع عدم الاخلال
بمسؤولية الكاتب ولا يعفى من هذه المسؤولية كون الكتابة او طرق التعبير الاخرى
نقلت او ترجمت عن نشرات اخرى او انها شائعات او روايات عن الغير واعطى المحكمة
سلطة ضبط الكتابات ومصادرتها ولها نشر الحكم في صحيفة او صحيفتين وتعطيل الصحيفة .
واعتبر القانون النشر ظرفاً مشدداً لبعض
الجرائم.
العنف الاعلامي في اوامر سلطة الائتلاف
المؤقتة
وقد اصدرت هذه السلطة عدداً من الاوامر
(القوانين) التي منعت التحريض على العنف في وسائل نذكر بعضها وما زلنا ناخذ من هذه
التشريعات فالامر رقم 14 2003/6/10 المنشور في الجريدة الرسمية ( الوقائع
العراقية) 3978 تضمن في القسم (2) منه حظر وسائل الاعلام ومنعها من التحريض على
العنف ضد اي فرد او مجموعة او التحريض على الاخلال بالنظام او اثارة الشغب او
الاضرار بالممتلكات او الدعوة الى عودة حزب البعث ( المنحل) الى السلطة ومنح هذا
الامر المدير الاداري لسلطة الائتلاف (اصبح رئيس الوزراء بموجب امر سلطة الائتلاف
المرقم 100 في 2004/6/28) سلطة استخدام اية وسيلة للكشف عن العنف وان يأمر
بالتفتيش لاماكن عمل وسائل الاعلام قبل انذارها وله مصادرة اية مواد محظورة وله
اغلاق اية وسيلة اعلامية دون تعويض وله اتخاذ اي اجراء مباشر لمنع وقوع هذا الخطر
وقمعه.
واجاز هذا الامر القاء القبض على مسؤولي
الوسيلة الاعلامية اذا ثبت اشتراكها او حاولت ان تبث مواد تخص التحريض على العنف
واحالتهم الى المحكمة والحكم عليهم وسحب اجازة (ترخيص) اية مؤسسة اعلامية ومصادرة
ممتلكاتها واغلاق مبانيها.
اما الامر 65 في 2004/3/20 الخاص بالهيئة
العراقية للاتصالات الاعلامية فانه اشترط في القسم الاول تقوية دور (كلب الحراسة)
الذي تقوم به اجهزة الاعلام لرعاية المصلحة العامة وحدد مرونة السلوك للاعلاميين
وحدد عقوبات بما فيها سحب اجازة العمل من الوسيلة الاعلامية وقد اصدرت هذه الهيئة
توجيهات عامة لوسائل البث الاعلامي نشرت في الجرائد العراقية يوم 2005/1/27 تضمنت
فيما تضمنت عدم التحريض على ارتكاب اعمال العنف او الكراهية او الاضطرابات او تؤيد
الارهاب او الاعمال الاجرامية ومنعت التوجيهات نشر التصريحات العاطفية والغاضبة
التي تتضمن دعوة مباشرة او ضمنية للاحتجاج العنيف او العنف ضد الحكومة او ضد تطبيق
القانون او ضد الافراد او المجموعات وكل ما يتضمن ذلك وعدم نشر تصريحات للجماعات
التي تؤيد العنف وان سلكت وسيلة اعلام هذا السبيل فان ذلك يعد خرقاً لقواعد
الممارسة وتضمن الامر 66 في 2003/3/20 الخاصة بهيئة خدمات البث والارسال (شبكة
الاعلام العراقية) بان هدفها هو استعادة اوضاع الامن والاستقرار في البلاد وانشاء
منبر حر يحترم حقوق الانسان وحرياته.
التحريض على العنف في قوانين 2004 و2005
صدر امر (قانون) الدفاع عن السلامة الوطنية
لسنة 2004 زمن حكومة الدكتور اياد علاوي في 2004/7/3 متضمنا اعلان حالة الطوارئ
بسبب الحملة المستمرة للعنف متضمنا فرض قيود على الاموال العائدة لمن يحرض على
ارتكاب افعال تعد من افعال العنف واتخاذ اجراءات على الطرود والرسائل البريدية
ووسائل واجهزة الاتصال السلكية و اللاسلكية (وسائل الاعلام) ويجوز ايقاف عمل هذه
الاجهزة واتخاذ اجراءات عسكرية وامنية سريعة ضدها وتوقيف وحجز الاشخاص والاموال
وفرض عقوبات تتضمن الحبس على مسؤولي هذه الاجهزة اما قانون مكافحة الارهاب رقم 13
لسنة 2005 فقد عاقب التحريض على ارتكاب الجرائم الارهابية ومنها العنف الذي يهدف
الى القاء الرعب بين الناس او تعريض حياتهم وحرياتهم وامنهم للخطر وتعريض اموالهم
للتلف ايا كانت بواعثه من الافعال الارهابية بما فيها العنف على تخريب او اتلاف
المباني والاملاك الخاصة والعامة او محاولة امتلاكها او الاستيلاء عليها او
تعريضها للخطر او الحيلولة دون استعمالها للغرض المعد له بباعث زعزعة الامن
والاستقرار.
العنف الاعلامي في قرارات الحكم
قرر مجلس الحكم ذو الرقم 47 في 22/ 9/ 2003
إغلاق مكاتب قناة الجزيرة وقناة العربية الفضائيتين بما في ذلك عمل مراسليها في
انحاء العراق ولمدة شهر واحد من تاريخ صدور هذا القرار على ان يسمح لهما بالعمل
شريطة اقتناع المجلس بالتزام القناتين باسلوب عمل اعلامي يعتمد التوازن وينآى عن
التحريض على العنف واثارة الفتن العرقية والطائفية والدينية في العراق اي وفق
المعايير الاعلامية المتبعة عالميا في العمل الاعلامي وقد ذكر قرار مجلس الحكم
السبب في اتخاذه هذا القرار وهو كما ذكره القرار: بسبب التجاوزات المتكررة التي
قامت بها القناتان لأذاعة اصوات تدعو الى العنف السياسي في العراق. تصل في بعض
الاحيان الى التحريض الصريح على القتل مما ساهم ويساهم في تعقيد المشاكل الامنية
في البلد والاضرار الخطير بمسيرة العراق نحو الاستقرار والديمقراطية!.
العنف في الدستور
من درر الحكم الدستور وغرر الكلم القانوني في
الدستور العراقي الجديد ما ورد في المادة (29/ 4) والتي نصت على (تمنع كل اشكال
العنف والتعسف في الاسرة والمدرسة والمجتمع) وبذلك فان الدستور لم يمنع العنف فقط
وانما منع التعسف ايضا واذا كان العنف عملاً غير مشروع وجريمة يعاقب عليها القانون
فان التعسف ليس الا استعمال لفعل مشروع وممارسة الحق يتجاوز به فاعله المشروعية
واكثر وذلك يعني ان التحريض على العنف وهو صورة من صور المساهمة في العنف ممنوع
بموجب احكام الدستور بصفته هذه ولكون الدستور منع التعسف وهي صورة اشد من صورة
التعسف طبقا لقاعدة من باب اولى اي ذكر الادنى بينها للاعلى كما يقول علماء الاصول
وبعبارة اخرى ان المادة (38) من الدستور التي كفلت حرية التعبير والرأي والصحافة
والطباعة والاعلان والاعلام والنشر والاجتماع والتظاهر السلمي محكوم بمبدأ عدم
التحريض على العنف. واذا كانت تلك المادة اوجبت تنظيم هذه الحقوق بقانون.
التحريض على العنف كصورة من صور الاشتراك في
الجريمة
لقد حددت المواد (48-50) من قانون العقوبات رقم
111 لسنة 1969 (النافذ حاليا) انواع الاشتراك في الجريمة وهي التحريض على ارتكاب
الجريمة والاتفاق والمساعدة اذ قررت المادة 48: (يعد شريكا في الجريمة من حرض على
ارتكابها فوقعت بناء على هذا التحريض) وقررت المادة (49) اعتبار المُحَرِض فاعلاً
اصليا للجريمة اذا كان حاضرا اثناء ارتكاب الجريمة او ارتكاب اي فعل من الافعال
المكونة لها.
وهذا يعني ان المحرض يتحول في هذه الحالة من
شريك الى فاعل وعاقبت المادة المحرض بالعقوبة المنصوص عليها قانوناً حتى ولو كان
فاعل الجريمة غير معاقب عليه لأي سبب فمن يتولى تحريض عدد من الاطفال على ارتكاب
جريمة القتل او الخطف او اتلاف الاموال يعاقب بعقوبة هذه الجرائم ولو كان الفاعل
غير مسؤول جزائيا. والتحريض كما هو مقرر في فقه القانون الجزائي هو دعوة من المحرض
(بالكسر) الى المحرض (بالفتح) ولا يهم شكل هذه الدعوة او الوسيلة التي استعملت في
ارتكابها كاستعمال احدى وسائل الاعلام وسواء أكانت هذه الدعوى مباشرة او غير
مباشرة كذلك لا يهم نوع الجريمة التي وقعت اي الجريمة التي ارتكبها الفاعل طالما
ان الجريمة وقعت بناء على التحريض الصادر. والتحريض يتحقق بالتحبيذ والترويج والحث
والدعوة واي شكل اخر.
التحريض على العنف في الجرائم الماسة بأمن
الدولة
خلافا للأحكام السابقة التي اشترط فيها القانون
حصول الجريمة بناء على التحريض كشرط من شروط العقاب. فان القانون عاقب في الجرائم
الماسة بأمن الدولة الداخلي على التحريض الحاصل حتى ولو لم تقع الجريمة محل
التحريض ولو لم يحصل التحريض على اثر. ذلك ان القانون في هذه الحالة يعاقب على
مجرد صدور التحريض وفي ذلك تقول المادة (170) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969
(يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات من حرض على ارتكاب جريمة من الجرائم
المنصوص عليها في المواد 156-169 ولو لم يترتب على التحريض اثر) وذلك يعني ان اي
تحريض صدر من شخص بوسيلة اعلامية سوف يكون محلا للعقاب حتى ولو لم يسمع تحريضه او
تجاهله الناس او رفضوه ولم يقبلوه. والجرائم محل التحريض التي يعاقب المحرض بهذه
العقوبة حتى ولو يلقى تحريضه استجابة هي الجرائم المنصوص عليها في هذه المواد وهي
جريمة المساس باستقلال البلاد والتحريض على الالتحاق بصفوف العدو والتحريض على ترك
القوات المسلحة والتحريض على التخابر مع دولة اجنبية للقيام بأعمال عدائية ضد
العراق او معاونتها في الاعمال الحربية او التحريض المتضمن مساعدة العدو على دخول
البلاد باثارة الفتن او اضعاف الروح المعنوية للقوات المسلحة او تحريض افرادها على
الانضمام الى العدو او الاستسلام او زعزعة الاخلاص للبلاد او الثقة في الدفاع
عنها. والتحريض على التسهيل للعدو في دخول البلاد او تسليم الاراضي والموانئ او
المواقع العسكرية او سفينة او طائرة او سلاح او ذخيرة او مؤن او اغذية او مهمات
حربية او وسيلة للمواصلات او مصنع او منشأة او غير ذلك مما اعد للدفاع عن البلاد
والتحريض على تخريب او اتلاف او تعطيل المنشآت العسكرية او المصانع او البواخر او
الطائرات او طرق المواصلات او وسائل النقل او الاسلحة وغير ذلك مما اعد لاستعمال
القوات المسلحة او الدفاع عن العراق او تعريض التدابير العسكرية او تدابير الدفاع
عن البلاد للخطر. والتحريض على الاضرار بمركز العراق الحربي او السياسي او الاقتصادي
والتحريض على القيام بحشد عسكري بدون اذن والتحريض على اجراء مفاوضات ضد مصلحة
الدولة والتحريض على اداء خدمة للعدو او تقديم العون له. وفي تعريف العدو لابد من
الرجوع الى احكام المادة (189) من قانون العقوبات اذ يعتبر عدوا لأجل فرض العقوبة
على التحريض الحاصل هو الدولة التي تكون في حالة حرب مع العراق وكذلك احد رعاياها
وتعتبر في حكم الدولة الجماعة السياسية التي لم يعترف لها العراق بصفة الدولة
وكانت تعامل معاملة المحاربين كما ويشمل تعبير العدو العصاة المسلحين. وفي التحريض
على ارتكاب هذه الجرائم حتى ولو لم تحصل الجريمة كثيراً.
ولكن في جميع الاحوال لابد ان يكون في اتخاذ
الاجراءات القانونية بحق وسائل الاعلام التي تحرض وتدعو الى ارتكاب الجرائم لابد
ان يكون ديدن ذلك حماية الوطن العراقي والمواطن العراقي. لاسيما وان كل انواع
التحريض الاعلامي يقع في باب الجرائم الماسة. غير ان نصوص القانون شيء وتطبيق تلك
النصوص شيء اخر.
واعمال النصوص وبالتالي صدور احكام وعقوبات
لابد ان يكون احدى الوسائل في لجم ظاهرة اعلام العنف وايقاف خطاب التحريض على
العنف الاعلامي. أذ لابد ان يكون للقانون انياب وسياط