بقي واقع الاعلام على حاله ، بعدما اعلنت الحكومة عن توجهها قبل اكثر من شهر لإعادة هيكلة هذا القطاع ، ولم يتعد امر هذه الهيكلة سوى تصريحات بالعمل على "ترشيق الاعلام" ، ولا شيء على ارض الواقع ، وكالعادة كان الصراخ اضخم من الصوت، وبقي حال الاعلام بذات الملامح التي وصفها صحفيون بأنها الأسوأ منذ عشرات السنين.
لا يمكن الاستمرار باغلاق اعيننا عن تخبط وعشوائية الاعلام ، فالامر بات مقلقا ويحتاج الى حلول جذرية ليس لاعادة هيكلة الاعلام كما يثار حكوميا ، بل لإعادة الحياة الى الاعلام كما طالب صحفيون واعلاميون،،، ولم يعد الحديث عن اعادة هيكلة الاعلام يثير انتباه احد على الاطلاق ، او يستوقف الاعلاميين والصحفيين انفسهم ، فقد تعددت الاقاويل والخطط لهذه الغاية ، حتى بات الامر وفق آراء تحدثت لــ "الدستور" كأنك تريد فقط ان تغير نوع المسكن للمريض لا اكثر ، فالمرض موجود والالم باق والسلبيات تتكاثر والتضييق ينمو ويزدهر،، وبحسب ذات الآراء ، هناك حالة من عدم الرضى وعدم وضوح الرؤية الاعلامية ، تلزم الحكومة بتحديد والاعلان عن نهج اصلاحي ثابت وجذري للاعلام يخرجه من المأزق والتشتت الذي يعيشه ، بعيدا عن الحلول المعلّبة التي طالما سمعنا عنها في هذا الاطار ، سواء كان في تلك التي تركز على تغيير ادارات المؤسسات الاعلامية ، أو تكثيف النقد للمؤسسات دون تقديم الحلول ، او دمج مؤسسات او الغاء اخرى ، او الكثير من تلك الحلول الموروثة من حكومة لأخرى ، الامر الذي جعل المواطن يهرب ويفقد الثقة تماما من المنتج الاعلامي المحلي،،، عضو المجلس الاعلى للاعلام المحلل السياسي عرفات حجازي رأى ان الحل في موضوع الاعلام الوحيد هو انهاء حالة التشتت والتخبط التي يمر بها ، من خلال ايجاد مرجعية واحدة يعمل الاعلام تحت مظلتها.
واعتبر حجازي ان المجلس الاعلى للاعلام يمكنه القيام بهذا الدور التنظيمي الاداري ، مطالبا في الوقت ذاته بضرورة الغاء استقلالية الدوائر والمؤسسات الاعلامية "المنفردة" ووضعها كافة تحت اشراف الاعلى للاعلام ، اذ لا بد من وجود جهة عليا تشرف على الحال الاعلامي سعيا للوصول الى حرية اعلامية منظمة وسقفها السماء.
الكاتب الصحفي حلمي الاسمر لم يكن متفائلا على الاطلاق في حديثه عن الواقع الاعلامي ، وقال : "من المستحيل انقاذ الاعلام فحجم التخريب والتدمير والتداخلات بين السلطات والمرجعيات في الدولة هائل ، فالامر لم يعد ضبابيا في المشهد الاعلامي بل انعدام رؤية".
واشار الاسمر الى ان الكلام عن اعادة هيكلة كأننا نتحدث عن مريض "سرطان" نريد ان نغير له نوع المسكن فقط ، بمعنى انه لا أمل من اعادة الهيكلة ، فبعد الغاء وزارة الاعلام وتعدد المرجعيات ، اصبح التخبط يسيطر على واقعنا الاعلامي ، كما غاب المستهلك عن اي حسابات تطويرية للاعلام ، وما عاد له علاقة بما يحدث ، واصبحت المادة الاعلامية تلقن له رغما عنه الامر الذي جعله يذهب للبحث عن سلعة اعلامية مختلفة تناسبه.
ولفت الاسمر الى ان هذا الامر يضر بالدولة بطبيعة الحال ، ذلك ان هجر المواطن للسلعة الاعلامية المحلية يغلق الابواب امام الدولة لتوجيه رسائلها التي تريد كما انه خلق فجوة وهوة بين المواطن وصانع القرار والاعلام.
باختصار لا يوجد عقل مدبر للاعلام وهناك غياب كامل للمطبخ وتنظيم المرجعيات وبالتالي لا توجد رؤية واضحة منظمة لاعادة هيكلة هذا القطاع ، فهذه الهيكلة وفق اي رؤية ستكون ووفق اي ثوابت ، مؤكدا انه لم يعد الحديث حول هذه المسألة يثير اي اعلامي ولا رصيد له كما لا معنى له.
واكد الاسمر ان الاردن لم يشهد في تاريخه مثل هذا التضييق على الحريات الاعلامية ، فنحن لسنا بحاجة الى اعادة هيكلة بل الى تنفس اصطناعي يعيد الحياة الى الاعلام.
رئيس تحرير جريدة "عمون" الالكترونية الاخبارية سمير الحياري اشار الى ان المؤسسات الاعلامية الرسمية الان بلا هوية بغياب المرجعيات الموحدة ، الامر الذي افرز عدة سلبيات على الحال الاعلامي بشكل عام ، مما يستدعي اخراج الاعلام من الشرذمة التي يعيشها.
وقال الحياري ان الواقع الاعلام يحتاج اذا ما فتح ملف اعادة الهيكلة بشكل شامل اختيار الاشخاص المناسبين لقيادة دفة الاعلام بشكل مهني ، فنحن بحاجة الى كفاءات تدير وتسيطر على الادارة الاعلامية بشكل مهني مجرد ، كما طالب بالحد من التدخلات الرسمية في العمل الاعلامي اليومي التحريري والخبري ، وتغيير ثقافة النظرة المجتمعية للاعلام والتعامل مع وسائله كافة.
وأرجع الحياري سبب التشتت الاعلامي الى غياب المهنية في كثير من المؤسسات الاعلامية ، اضافة الى التدخلات الحكومية في بعض الامور الاعلامية التي تعيق اداء الرسالة بمهنية وحرية.
في ذات الاطار اشار الاعلامي سميح المعايطة الى ان الحكومة عندما تتحدث عن اعادة هيكلة الاعلام بطبيعة الحال تقصد بشكل مباشر الرسمي منه ، لذلك فانها تركز بالحديث عن المجلس الاعلى للاعلام ، والمجالس والمؤسسات الموجودة ، وقال: بتقديري فان الحكومة تحدثت كثيرا عن اعادة الهيكلة لكنها لم تتبن اي خطوة عملية لذلك ، فقد سمعنا عن الغاء مجالس ودمج هيئات ، لكن سرعان ما تتلاشى هذه الامور ان لم تكن تنفيها بطريقة مباشرة او غير مباشرة.
واكد المعايطة انه يجب ان يفسح المجال للحكومة ان تتحدث عن مفهومها وخططها لمفهوم اعادة الهيكلة ، لا ان تبقى الامور مجرد توجهات حكومية اما بتغيير مديري الدوائر والمؤسسات او بان تضع المؤسسات الاعلامية بحالة من الرعب لتكثيف النقد ضدها في فترة معينة ، او بدمج هيئات ومؤسسات ، في كل مرة تبرز الحكومة خطط هيكلة جديدة ، لكن الرؤية غير واضحة ولا نعرف حتى الان ما الذي تقصده الحكومة في موضوع اعادة الهيكلة ، ولا توجد دلالة لهذه المسألة يمكن مدحها او ذمها.
وشدد المعايطة على ان المجتمع لم يعد يأخذ هذه المسألة بجدية ، ولا نتعامل نحن كصحفيين مع الموضوع بالجدية اللازمة ، لأن عدم وضوح الرؤية سيد الموقف في المشهد العام.